ألمانيا والفاشية في إيطاليا. . . غير أن النضال لا يزال سجالاً بين النزعتين، مادة وجهاراً، كما في أسبانيا، أو معنى وخفية - كما في عدد غير قليل من سائر البلدان
فيجدر بنا أن نتعرف إلى أوجه هذا النضال من قرب، وبشيء من التفصيل:
إن الانقلاب الصناعي الذي بدأ في أوائل القرن الأخير - والذي لا يزال يستمر إلى الآن - زاد في فروق الثروة بين الناس زيادة هائلة، وأوصل مشاكل المعيشة إلى درجة لم يسبق لها مثيل. . . لا شك في أن هذا التطور العظيم الذي حدث في الحياة الاجتماعية كان يتطلب نظرات وأنظمة حقوقية جديدة تضمن للكل حق الحياة والعمل بالعدل الذي يقتضيه هذا التطور العميق.
غير أن الحكومات لم تقدر خطورة هذه الأوضاع حق قدرها، فلم تقدم على سن القوانين الضرورية لمعالجتها. . . وذلك أفسح مجالاً أمام أصحاب رؤوس الأموال للاستبداد بحياة العمال بدون تأمل، وللاسترسال في استغلال أتعابهم بدون إنصاف. . . وهذه الحالة ولدت الاشتراكية التي أخذت تطالب الحكومات بوضع حد لهذا الاستبداد، وسن قوانين جديدة تثبت حقوق العمل وتضمن إنصاف العمال، وتمنع تضخم رؤوس الأموال على شقاء الآلاف بل الملايين من العمال. . . غير أن الحكومات قاومت في بادئ الأمر الحركة الاشتراكية ومطالبها مقاومة شديدة، وهذه المقاومة أدت إلى حدوث سلسلة ثورات واعتصابات عنيفة كما أدت إلى تفرع الاشتراكية إلى فروع ومذاهب متنوعة. فاختلف لذلك المذاهب الاشتراكية اختلافاً كبيراً من المعتدلة إلى المتطرفة، ومن الوطنية إلى الأممية
إن الشيوعية هي (الطريقة المتطرفة) التي قامت لمعالجة قضية العمل على أساس هدم كل شيء يقف حجر عثرة في سبيلها، ولم تتردد في إدخال (الوطنية) أيضاً في عداد الأمور التي لا لزوم للتمسك بها. . . حتى أنها أوصلت المغالاة إلى درجة القول بأن الوطنية أيضاً من المؤسسات التي يجب هدمها. . .
وأما المذاهب الاشتراكية الأخرى، فإنها تسعى إلى معالجة المشكلة دون أن تسترسل في تضحية المؤسسات الاجتماعية وهدمها، ودون أن تتهاون في (الوطنية) فتقدم على مخالفتها. . .
فإن (الاشتراكية الوطنية) - مثلاً - تقول بأن الحياة الصناعية تحتاج إلى معالجة جدية،