للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اختلافاً كبيراً عن المشاكل التي تعانيها تلك البلاد؛ فمن الخطأ أن نفكر في اقتباس نظام من تلك النظم على علاته. . . غير أن موقف هذه النظم المختلفة من النزعة الوطنية والقومية يجب أن يدلنا على النظام الذي يجب أن نتباعد عنه كل التباعد، ونحذر منه كل الحذر. . .

ويجب علينا أن نلاحظ في الوقت نفسه، أن الأضرار التي تنجم من الإصغاء إلى الدعاية الأممية لا تكون متساوية في كل البلاد، بل إنها تزداد وتنقص، نظراً إلى ضعف النزعة الوطنية والقومية السائدة في البلاد أو قوتها

تصوروا الأمة ناهضة متحدة متصفة بشعور قومي عميق، ونزعة وطنية شديدة، قد تأصلت الوطنية والقومية في نفوس أبنائها حتى أنها دخلت في طور الإفراط والتعدي، فصارت تحمل القوم على التوسع على حساب غيرها عن الأمم. لا شك في أن رياح النزعة الأممية إذا هبت على النفوس في مثل هذه الأمة لا تستطيع أن تجتث شجرة الوطنية من جذورها، فلا يتعدى تأثيرها حدود بعض الأضرار الطفيفة من نوع إسقاط الأوراق أو كسر الأغصان. . . إن انتشار فكرة الأممية بعض الانتشار بين أبناء تلك الأمة لا يزعزع بناء الوطنية زعزعة خطرة، وكل ما يعمله ينحصر في كسر ثورة الإفراط، وتخفيف أطماع التوسع والاستعمار. . .

ثم تصوروا أمة - بعكس تلك - متأخرة في حضارتها، متفرقة في سياستها، مترددة في وطنيتها، استيقظت من سبات عميق في عهد قريب؛ فلم يمض على يقظتها الوقت الكافي لاختمار الفكرة القومية في نفوس أبنائها، فلم يتم بعد (تكوّن الشعور القومي) و (تأصل النزعة الوطنية) في تلك النفوس. لا شك في أن تأثير الرياح (الأممية) على أمة كهذه الأمة يكون خطراً جداً، لأنه يوقف اختمار الفكرة القومية في بدء عملها، ويحول دون تكوّن الشعور القومي العام في بدء عهده؛ ويميت تباشر النزعة الوطنية الحق قبل أن تتأصل في النفوس. .

إنني أعتقد بأن نظرة واحدة إلى حالة البلاد العربية والأمة العربية - على ضوء هذه الإيضاحات - تكفي دلالة قطعية على أن انتشار النزعة الأممية - ولو قليلاً - يكون مضراً جداً، بل مهلكاً وقتالاً بالنسبة إلى أبناء الضاد. . .

فينبغي علينا أن نبذل أقصى الجهود لمنع تسرب النزعة الأممية إلى النفوس في جميع

<<  <  ج:
ص:  >  >>