للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أصبحنا مهددين بثورتين جارفتين وقانا الله شرهما: إحداهما ثورة المتعلمين العاطلين، والأخرى ثورة الجاهلين القانعين. . .! أجل؛ ولعلك قد استطعت أن تدرك أنه لا سبيل إلى تحقيق شيء من هذه المشروعات الاجتماعية الإصلاحية الكثيرة التي يقترحها المقترحون، إلا إذا كوّنا أولئك (الرجال البواسل) الذين نستطيع أن نعهد إليهم حقاً بمباشرة تنفيذها، لأن نفوسهم قد تهيأت بالفعل لها وآمنت بها. . . وأن الدولة التي تنفق على التربية والتعليم كثيراً وتخصها بأعظم عنايتها تحيط نهضتها بكل أسباب القوة والنجاح، وتوفر على نفسها من الجهود والمشقات، والأموال والاضطرابات، ما لا أول له ولا آخر. . .

لعلك إذن تعرف ذلك كله، وتود حقاً أن تعلم أين نحن وإلى أين نسير؛ وتعجب كل التعجب من إغفال الأحزاب السياسية في هذا البلد لقضية التربية والتعليم كجزء من برامجها لا يتجزأ، وكخطة في الإصلاح جوهرية لها فسلفتها المعقولة وحدودها المرسومة، وكوسيلة لتحقيق الأماني القومية تغني عن التشريع المزعزع، وتمهد لنتائج وأحوال مضمونة كل الضمان ومؤكدة كل التأكيد. . .!

أجل! ولعلك تعجب كذلك من ندرة البحوث التي يقدمها الكتاب والمحاضرون للرأي العام فيما بين الآن والآخر متعلقة بذلك الشأن، ودائرة على الخصوص حول التجريح وإظهار العيوب!! كأنما الموضوع مقدس لا يجوز الاقتراب منه! أو كأنما هو ضئيل الشأن في حياتنا المادية والمعنوية فلا ضرورة للاهتمام به!! أو كأنما هو سر من أسرار الدولة لا داعي لإشراك الرأي العام فيه!!

أجل، ولعلك تقول معي الآن إن النهضات الكبرى التي ازدانت بها صفحات التاريخ لم تقم إلا على أساس من النقد الذي هدم البالي وأقام الجديد، وأننا في نهضتنا وظروفنا الحاضرة محتاجون كل الاحتياج إلى هذا النقد الحر النزيه، وإلى سعة في الصدر تسمح به وتشجعه وتقابله بالكثير من الهوادة والرفق، وتصفح عما قد يتعرض ل من خطأ وشطط. . .!

قالوا وما زالوا يقولون: لنستر العيوب لنستر العيوب! وأقول وما زلت أقول: وماذا بعد ستر العيوب؟ وما جدوى السير في طريق شائك نهايته تعسة إذا كانت القافلة التي تسير فيه هي قافلة الأمة؟؟ على أني لست أذهب في التشاؤم إلى هذا الحد فأدعي أن تعليمنا شائك كله ونهايته تعسة كلها؟! بل إنه لمن الخير أن أسجل بمداد الفخر أننا قد بدأنا نلمس

<<  <  ج:
ص:  >  >>