وهو إذا ركب السفن (امتطى ظعن البخار، وأخذ يطوي بيد البحار)
والخواجا فرنسيس كما ترى فيلسوف متشائم، فهو يبدأ كتابه بالقول إنه لما (أدرك رشده، وبلغ أشده، دخل العالم ليتجسسه ويرى كيف يجب اعتباره منه. فعندما تبصره كافياً، وجده سوقاً عظيماً لا حد له، وجميع الخلائق أقامت فيه حوانيتها وكلها تنادي على بضائعها، وكأنما لا يسوغ لأحد مشتري شيء من هذا السوق ما لم يضع على عينيه نظارة تختلف لوناً وقوة. . . فكل يرى هذا السوق على كيفية نظارته وماهية نظره. فالبعض لا يشاهدون فيه معتبراً سوى معدني الذهب والفضة، فيندفعون جماحاً إلى نوالهما على أي أسلوب كان)
ولعلك حذرت أن رحالتنا الخواجا فرنسيس ليس من هؤلاء وليس من البعض الذين (لا يفهمون العالم سوى مقر اللذات والطرب، لأنهم لا يدركون بنظاراتهم سواها، فلا يعتبرون إلاّ ها. فيعيشون ناشرين شراع الليل، وطاوين بساط النهار في الولوع والكر والرقص والخلاعة. هذا إذا لم ينهرهم حارس هذا السوق، أعني به ذلك العفريت الجهنمي المدعو الزمان)
أما هو (المسكين، فقد كانت نظارته لسوء حظه مصنوعة من أشنع الألوان، وأبشع الأشكال) لأنه حين وضعها على عينيه (وجد عالماً ذريعاً ترتعد منه الفرائص، وتميد عمد القلوب وينفي عنه كل ذوق سليم). ولا داعي إلى الاسترسال في نقل الصورة المدلهمة التي يرسمها لنا الخواجا فرنسيس، فهو متشائم فحسب، وقد رأى هذه السوق (المدعو عالماً، فخلا في نفسه ليرى أي بضاعة يبتاعها) فلم يجد (أشرف من انتقاد هذه الحوادث، والبحث عن حركات هذا العالم) فهو يريد أن يكون كاتباً أخلاقياً وكتابه سوف يظهرنا على مبلغ نجاحه في هذا السبيل
إلا أنه، وقد بلغ العشرين، شرع (يمتحن نفسه ليرى ماذا جنى من الثمرات. ولكنه لم يجد في مخيلته سوى كمية وافرة من ألوف مسائل العلم العربي - نحن في سنة ١٨٥٦ - ولم يعثر في خزانته على غير كتب مطولات ومختصرات في النحو والصرف وما يلحقها). وهو إذ تأمل (الفائدة لم يجدها سوى نظم الشعر) فهو يقول في تواضع مؤثر (فها أنا شاعر إذا أراد شعراء العصر) ولكني لا أحسب شعراء عصره - وأقل منهم شعراء عصرنا - يريدون تضخم الصناعة إلى هذا الحد! ثم هو على كل حال لم يهمل أن يلاحظ (جملة