أضرار تقابل هذه الفائدة. وهي أولاً كساد سوق الشعر، ومقت العامة له) - أما نحن الخاصة فسوف نذوب صبابة في شعره بعد لحظة - لذلك أوحيت إليه (كراهته تلك الفائدة المفتداة بأفخر سني حيوته أن يتعكف إلى طلب العلوم العالية واللغات). ثم اتفق له أحد مهرة أطباء الإنكليز (فألقى ثقله على مسايرته، وبدأ يدرس عليه العلوم الطبية وهو في سن الخمسة والعشرين، حتى هضم أربع سنسن كوامل على هذه الدراسة، وصار طبيباً) وعلى رأي المعلم وحده مع الأسف، أما في رأي ما (نقول المدارس فقد كان جهولا)
وشرع (يباشر الأمراض متلاعباً بصناعة إيبوقراط). ثم أوعز إليه ضميره أن يرحل إلى (باريس محط عرش الافرنسيس). وكان لهذا الحادث الهام الفضل في الكتاب الفذ الذي نلخصه لقراء (الرسالة) بعد سبعين سنة من نشره
ففي اليوم (الواقع في ٧ أيلول ١٨٦٦، وهو داخل في دايرة الثلثين) خرج من (أبواب الشهباء صحبة الكروان، ممتطياً ظهر كديش أخي قزل)(ألم أقل إن الخواجا فرنسيس شاعر في نثره؟) فبلغ (الاسكندرونة مينا حلب). وترك لنا وصفاً للطريق يوقف الشعر هلعا. فمن (أوعار ملقاة في الطريق كأنها أمواج البحر الجامد) إلى (جبال صلعاء القمم) إلى (هضاب ممحلة منفردة كاللصوص في درب أبناء السبيل) ومن (عواصف وقواصف تهب من مرابضها الجهنمية على السرى) إلى (أنهار راكدة على فراش الأوصال تعارض سير القوافل). وفي إحدى مراحل هذا الطريق (ينجلي) الخواجا فرنسيس فتتعرف إليه لأول مرة ناظماً، ولا أقول شاعراً فإن شاعريته قد بزغت في نثره كما رأيناه. وقد أسالت (جمرة الفراق جمودة قريحته فهرع إلى القلم ونقش أبياتاً كأنها منشودة من أحد أعراب البادية. . . إلا قليلا). وقد حكم إذ ذاك أن للشعر (علاقة ثابتة مع الموضوعات التي يراها الشاعر). وسأوفر عليك عناء قراءة هذا الشعر البدوي الذي كتب في بادية الشام ما بين حلب والاسكندرونة. ويكفي أن تعلم بما فيه من حداء السرى والخيام والحمى والعيس. وقد لا تمانع في أن تسمع بيتين من جزل شعر الخواجا فرنسيس:
فهل ذكرت تلك المنيعة في الخبا ... شريداً طحاه البين وهو غلامها
وهل علمت أسماء - وهي عليمة - ... صبابة نفس قد تسامى مرامها