وهو رجل غدا الآن واسع الخبرة بالدنيا إلى حد أن يختتم قصيده قائلاً:
ومن خبر الدنيا وأدرك شرها ... تساوى لديه حربها وسلامها
وقد تأثر عند مشاهدته مدينة الاسكندرونة (حينما أذكر المشكل الدولي حول هذا المرفأ ولوائه!) وكان تأثره (صاعقة لأنه رآها هاوية في أعمق هاوية من القهقرة) أهذا (مينا حلب مدخل تجارة الزوراء وتركستان، ومخرج أنسجة ومحصولات عربستان، صايرة مرسحاً لملاعب الخراب. . حتى تكاد أن لا تعتبر سوى كمبصقة للبحر، أو مداس للدهر؟)
وامتطى (ظعن البخار، وأخذ يطوي بيد البحار، حتى عانق باع اللاذقية) ولكنه لم ينزل إليها (وخفقت به أجنحة البخار إلى مدينة طرابلس، فوجدها ظريفة وعليها أبهة العمار، وكأنها تهم إلى التقدم فتدفعها نحوس الأقدار)
ثم زار بيروت ورأى أن لا بدع في أن (جلست هذه المدينة على المرتبة الأولى ما بين مدن سوريا. وأصبحت مبزغاً لكل نور) وبعد نهاية (أجل المرسى عاود إلى المركب وطار به إلى يافا، فنزل إليها بعد تردد وخوف من مطاردة الأمواج، الدايمة الهياج) ولكنه ما عتم أن عاد آسفاً على الشجاعة التي بذلها في منازلة أحط صعاليك المدن كما يقول
بعد ذلك أخذت (تخفق له أجنحة نسر البحر إلى جانب الإسكندرية) فبلغها بعد ثمانية أيام من مغادرته حلب ورأى فيها مدينة (قايمة على ساق التجدد)، ودعاها تاج المشرق وعنوان المغرب. ووجد فيها وقود (النور الايدروجيني خاصة في الساحة المدعوة عندهم بالمنشية)
ثم (أوحت له شياطين الملل أن يرحل إلى القاهرة. فركب أجنحة عفريت البر، فطار به كالباشق - يقيناً إن الرجل شاعر غير نادم! - حتى أوقعه هذا العفريت بعد خمس ساعات على مدينة الأهرام، أعني الأثر الوحيد الذي أبقته القدمية تميمة على رأس هذه المدينة. وجعل يتفرج على مشتهرات القاهرة مدة ستة أيام، فلم يعثر على ما يستحق الذكر أو يروق الخاطر - حتى ولا النور الايدروجيني؟ - سوى خزانة التحف المصرية وجامع القلعة الذي بناه محمد علي باشا من الحجر الكهربائي - لم أعرف قبلا أن هذه ترجمة - مع السرايا المحاذية له. كما بنى سرايا شبرى ذات الحوض المرمري العظيم الذي أنشأه لكي يتنزه فيه على قارب تجدفه جوار حسان (كذا!) أما الأزبكية الشهيرة فلا عادت تنطوي سوى على بعض أشجار بلح مغروسة بين أمواج الرمال)