ولقد كان من مبادئ السيد جمال الدين:(أن الإسلام والذل لا يجتمعان في قلب واحد) ولعمري إنه لمبدأ خالد يكتب بماء الذهب في تاريخ أعظم عظماء الإسلام ويضمن له البقاء والخلود ويسمو به إلى مراتب أقرب إلى مراتب الملائكة والأنبياء
نعم إنه لآية من آيات الحق، ووحي هبط من السماء، وتأييد من الله يؤيد به عباده المصلحين، وهداية من الرحمن ونعمة يسبغها الله على من يشاء إنه عليم قدير
أي مسلم يقرأ هذا المبدأ القويم دون أن يسكب الدمع مدراراً، ودون أن تذهب نفسه حسرات على ما كان للمسلمين في غابر الأزمان من عز وسؤدد، وما هو عليه أكثرهم اليوم من الذلة والانحطاط
نعم فهو يلفظ القول ليصيب به موقع الماء من ذي الغلة، وينزل فيه بالحكمة التي هي أبعد من العنقاء وأعلى منالاً من الجوزاء إلى مستوى تستطيع أن تحله الدهماء، إن في ذلك لعبرة
تلك هي روح السيد جمال الدين، وهذا هو مبلغه من التأثير في نفوس الطالبين، وكذلك الزعامة الصادقة، والهداية الموفقة، وذلك صنع الله لعباده من المصلحين
وهذا لعمري هو الذي جمع الناس عليه وجعلهم من جميع الطبقات يهرعون إليه ومكن له في نفوس الملوك والعظماء والعامة والدهماء، فاستطاع أن يظفر بالجو الصالح لبث هدايته حيثما حل وأينما ارتحل
وأرى أن السيد جمال الدين في آرائه وحكمته، وعلو نفسه، وكرم أخلاقه ونبله زعيم إسلامي بعثه الله ليجدد للإسلام حياته التي كانت زاهرة زاخرة في عهوده الأولى، ويكون هذا أصدق شاهد على قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)
فقد كان أول المجددين في القرن التاسع عشر الحكيم القدير والمصلح العظيم، والمجاهد الكبير، والثائر الخطير السيد جمال الدين سيد النابغين، وأمير الخطابة والبيان، فيلسوف الإسلام وآية الحق القاهرة، وحجة الشرق الناهضة، وكوكب الإصلاح الذي ظهر ساطعاً في آفاق الشرق بعد أن كان في ظلام حالك
كانت حياة هذا الفيلسوف سلسلة جهاد موفق، وحلقة كفاح مثمر، حياة خصيبة ممرعة ثرية