للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ممتعة لها من الآثار الحميدة والأيادي البيضاء والأعمال المجدية ما لا سبيل إلى تقديره؛ فلقد كان يجول بفكره في ميدان مترامي الأطراف من متنوع الفنون، ويتناول في مباحثه أجل الشئون مما يهم البشر، يهتك غشاء الباطل عن الحق بنظرات نافذة وتفكير صحيح

والحقيقة التي لاشك فيها أن المرء لا يكاد يقف على عمل من أعماله أو رأي من آرائه، أو يقلب صفحة من حياته حتى يشعر أنه بين يدي ذهن مستقل جبار لا يرتضي دون الحرية مطلباً، ولا يبتغي غير محاربة الاستبداد شيئاً

بقي السيد جمال مناراً وهاجاً في الحرية يهتدى به، ومرجعاً صادقاً يفزع إليه في شتى نواحي الأمور. ولا بدع فإنه يعمل لمبدأ خالد لن يغير تيار الحوادث منه مادام الإنسان إنساناً

ولست مغالياً في مدح السيد جمال، ولا أكيل له تلك العبارات جزافاً مندفعاً وراء العاطفة، إذ هناك الكثير من الكتاب الغربيين الذين لا تربطهم أية صلة بجمال الدين إلا الاعتراف بالفضل، والتقدير للنبغاء والمصلحين، فهذا (هنري روشفور) الكاتب الفرنسي الشهير يقول في كتابه (ماجريات حياتي):

(السيد جمال الدين من سلالة النبي، والمعدود هو أيضاً أنه أشبه بنبي. ثم قال: إنني شعرت نحو هذا الرجل بعاطفة الحب التي أجدها تربطني بكل داع إلى ثورة أو مقاوم لسلطة)

وهاك (رينان) الفيلسوف الكبير يقول عنه: (يخيل إلي من حرية فكره، ونبالة شيمه وصراحته، وأنا أتحدث إليه، أنني أرى وجهاً لوجه أحد من عرفتهم من القدماء الفلاسفة، وأني أشهد ابن سينا، أو ابن رشد، أو واحداً من أساطين الحكمة الشرقيين اللذين ظلوا خمسة قرون يعملون على تحرير الإنسانية من الإسار)

جميل جداً أن نسمع تلك الحقيقة من فلاسفة الغرب، وأن يشهدوا بفضله وعلمه، وقوته وحكمته، وهم الذين لم يستفيدوا منه شيئاً طائلاً، وليس بجميل منا نحن الشعوب التي رضعت من ثدي علمه، واستفادت من إرشاده، وتمتعت بالحرية التي كان ينشدها أن نجهله أو نتجاهله، وألا نحتفل بذكراه ونضع الأسفار الضخمة في تاريخ حياته وتحليل نفسيته

اذكروا الرجل، واحتفلوا بيوم ذكراه فإن في ذكراه عظة وعبرة. . . اكتبوا المقالات الطوال، واقرضوا الشعر الرصين، فليس هو بالذي ينقضي عمله بموته، وإنما هو صاحب

<<  <  ج:
ص:  >  >>