وكانت المدينة يومئذ آخذة في الاتساع والنمو يسكنها ألف وثمانمائة نسمة، بيد أنها كانت لا تزال تعلق بها مسحة من الغابة إذ كان منبتها كغيرها أول الأمر وسط الأحراج؛ فهي كصاحبنا أيب تخلع عنها ما تخلف فيها من حياة الغابة شيئاً فشيئا
قصد إبراهام إلى حانوت يملكه رجل من كنتوكي كانت له به من قبل معرفة طفيفة، وأقبل على ذلك الرجل ومتاعه على ذراعه يسأله عما يلزم من المال لشراء سرير وفرش، فلما أخبره الرجل بما يلزم أخذته الحيرة وقال له:(إني سأحترف المحاماة ولي في الربح أمل، فهل لك أن تعطيني طلبتي على أن تمهلني إلى عيد الميلاد القادم؟) ثم أردف قائلاً: (وإذا أنا عجزت يومئذ عن أن أدفع لك حقك فلست أعلم هل أستطيع أن أؤدي لك ذلك أبدا؟) وكان الرجل طيب القلب فما لبث أن ملكته الشفقة على ذلك الغريب الذي يبدو له من أمانته بقدر ما يبدو من فقره؛ لذلك آواه عنده وعرض عليه أن يقتسم وإياه سريره القائم في حجرة صغيرة هناك فوق الحانوت؛ وصعد إبراهام إلى الحجرة فألقى عدله. ونزل وعلى وجهه أمارات الرضا. . .
كان إبراهام مزمعاً أن يتخذ من المحاماة مرتزقاً، وهو قد ترك العمل في البريد وفي تخطيط الأرض منذ أن هم بالرحيل إلى سبرنجفيلد، فأقبل على كتب القانون يستزيد منها علما؛ وكان يعيره بعض الكتب محام في المدينة يدعى ستيوارت. ورأى ستيوارت من ذكاء صاحبه وطيب سريرته وحسن طويته ما دعاه إلى أن يشركه في العمل معه؛ وقبل إبراهام ذلك مغتبطاً مسروراً يحس كأن الأيام توشك أن تبتسم له بعد تجهم وعبوس، فله اليوم في السياسة مجال وله في المحاماة مجال
بيد أن هناك من الأمور ما لا يزال يكدر خاطره ويكرب نفسه. . . ذلك ما كان من غرامه الثاني إن جاز لنا أن نسمي علاقته الجديدة بعد موت آن غراما
الحق أن هذا الجانب من حياة لنكولن، جانب علاقته بالفتيات، أمر يدعو إلى العجب حتى ليحمله المرء على ما كابد من شذوذه أكثر مما يحمله على ما كان من حصافته ولقانته. عرف لنكولن فيمن عرف من أهل نيوسالم امرأة كانت تضيفه أحياناً فتحسن ضيافته، وظل يغشى منزلها زمناً حتى أصبح كأنه من أهلها. وحدثته تلك المرأة فيما حدثته عن أخت لها غائبة ألقت عليها من الصفات ما تبتكره أخت لأختها حين تبحث لها من الشباب عمن