يطلب يدها. ورد إبراهام مرة فقال وهو لا يدري أمازح هو فيما يقول أم جاد: إنه يرحب بالزواج من تلك الأخت، وكان قد رآها قبل ذلك بثلاثة أعوام، فلما عادت كانت تجلس إليه ويجلس إليها. . .
وصور له خياله الخصب أن كلمة ميثاق لن يسمح له ضميره أن يتحلل منها. بيد أنه في حيرة دونها كل ما سبق من حيرة! لا يحس في قلبه ما يحسه المرء حين يمر به طائف من الحب؛ وهو مع ذلك لا يستطيع أن يقطع أنه لا يحبها!
لعل ما هو فيه اليوم من أمور السياسة ومن شؤون المحاماة يصرفه حيناً عن وساوسه وهواجسه؛ لقد أخذ ستيوارت القضايا الكبيرة وترك لإبراهام ما خف من القضايا؛ ولكن الحوادث ساقت إليه قضية معقدة اكتسبها ونمى إلى الناس خبرها فما لبث أن أصبح في مهنته الجديدة ملحوظ المكانة
وكان دستوره في المحاماة منبعثاً من أعماق نفسه، لذلك كان قائما على توخي الحق والدفاع عنه ونصرة المظلومين والضعفاء؛ كان لا يقبل قضية لا يقتنع بصدقها، ولا يقرب قضية يعلم أن الدفاع فيها يمس الخلق من قريب أو بعيد، وكان أسلوبه في المحاماة كذلك صورة لنفسه، لا يعرف اللجاج ولا المطاولة ولا يلتوي في أمر أو يخفي في نفسه شيئاً لغاية في نفسه إلا إذا كان ذلك لستر عرض أو لحفظ كرامة، على ألا يكون للمجاملة حساب في نفسه إذا انبنى عليها إساءة إلى الفضيلة أو انتقاص للعدالة
وخفت وطأة الأيام عليه حيناً، فمكانه في المحاماة - وهو يومئذ لم يعد الثامنة والعشرين - كما علمت؛ ومكانه في السياسة قد جعله رأس حزبه في المجلس، وهو كما مر بك حزب الهوجز؛ وهو إلى ذلك حبيب إلى أهل سبرنجفيلد لما كان له من يد في نقل المجلس إليها، ولما آنسوا من طلاوة حديثه وروعة قصصه وعذوبة نفسه. ولقد توثقت المودة بينه وبين الكثيرين وعلى الأخص بينه وبين سبيد صاحب الحانوت. . .
وكان من أحب الساعات إليه تلك التي يجتمع فيها وجماعة من حزبه في حانوت سبيد فيتحدثون ويقلبون الآراء في السياسة وقضاياها. ومن تلك الجماعة من سيكون لهم في الغد شأن في سياسة بلادهم، على أنه مهما يبلغ من شأنهم فسيظل دون ما سيكون لابراهام من شأن. وممن كانوا يختلفون إلى ذلك المنتدى رجل من الحزب الديمقراطي صغير الجرم