يدعى دوجلاس، عرف لنكولن أيام كان المجلس في فنداليا، وقد اشتهر بلباقته وحدة ذكائه وعرف إلى جانب ذلك بالأثرة والغيرة والطمع في عليا المراتب. وكأنه كان يغار من لنكولن؛ أو لعله كان يدرك منذ ذلك التاريخ أنه إن بذ الرجال جميعاً فإنه لن يلحق بهذا الرجل. وسيكون بينهما من التنافس ما يفتح صفحات ممتعة في حياة لنكولن
ولم يكن نشاط لنكولن قاصراً على المجلس والمحكمة وحدهما بل لقد كان نشاطه خارجهما باعثاً على الإعجاب جديراً بالثناء، فهو داعية إلى الثقافة، حاث على الإصلاح بما ينشر ويذيع؛ وذلك لعمري جد عجيب من رجل كان قبل ذلك ببضع سنين يقطع الأخشاب في الغابة يشتري بالمئات منها سروالا!
وحسبك منه ما ترى في تلك الخطبة التي ألقاها في ناد من أندية المدينة، وإليك بعض ما قاله:(إذا كان ثمة خطر يتهدد الولايات فمصدر ذلك الخطر من داخلها. يجب أن نعيش أبداً أمة حرة أو نقتل أنفسنا؛ إنما أشير إلى ما يتزايد من عدم مراعاة القانون في البلاد) ثم يذكر حادثاً خطيراً من حوادث الاغتيال ويعلق عيه بقوله: (تلك هي المناظر التي تتزايد يوماً بعد يوم في هذه الأرض التي اشتهرت أخيراً بحب القانون والنظام. . . وماذا عسى أن نصنع لنقف في وجه هذا؟. الجواب يسير: ليقسم كل أمريكي، كل عاشق للحرية، كل ذي نية طيبة نحو الفَلاح، ليقسم كل بما جرى من دماء في الثورة ألا يتعدى قوانين البلاد في أي جزئية منها، وألا يسمح للغير بتعديها، وكما فعل رجال عام ١٧٧٦ في تعضيدهم حركة إعلان الاستقلال، كذلك ليفعل اليوم كل أمريكي في حرصه على الدستور والقانون؛ وليقدم كل في سبيل ذلك حياته وشرفه المقدس وما ملكت يداه. إن في النابهين الطيبين من الناس ممن تتوفر فيهم الكفاية لأن يحسنوا أي عمل يوكل إليهم - كثيرين لا تمتد أطماعهم إلى ما هو أبعد من مقعد في المؤتمر أو من مركز في الحكومة أو من وصول إلى كرسي الرياسة؛ ولكن هؤلاء لا ينتمون إلى أسرة الضراغم ولا إلى جماعة النسور. واهاً! أتظنون أن مثل هذا يملأ عين اسكندر آخر أو قيصر ثان أو نابليون جديد! كلا. إن العبقرية الشامخة لتحتقر الطريق التي وطئتها الأقدام من قبل. . . لقد كانت العواطف قبل عوناً لنا ولكنا لن نركن إليه اليوم ولسوف تكون في المستقبل عدواً لنا، ألا لتكن الحكمة الباردة الحاسبة التي لا تعرف العواطف هي التي تمدنا بما يلزمنا في مستقبلنا من أسباب القوة والدفاع)