للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يا ابن الغابة يا ربيب الفقر والبأساء! أنى لك هذا كله! ألا إنها العبقرية تستعلن في الخطابة وتحمي على الحماسة وإن خفيت في الحديث الهادئ أو في القصة الوادعة!

وماذا يريد لنكولن بإشارته إلى العبقرية الشامخة وما تتطلع إليه؟ هل كان يرسم لنفسه ما يجب أن يفعله في غد؟ كلا. ما كان يدرك يومئذ أو يحس أن له في غد من عمله ما هو حري أن يملأ عين اسكندر آخر أو قيصر ثان أو نابليون جديد

ومما عرف عنه في السياسة موقفه فيما كان في تلك الأيام من أمر العبيد. فلقد انبعثت صيحات قوية من أولئك المتطرفين من أهل الشمال الذين أهابوا بالمؤتمر أن يعلن تحرير السود في جميع الولايات؛ وهو يومئذ مطلب جريء بل لقد كان يعد في تلك الأيام حلماً من الأحلام. وقف ابراهام من تلك الدعوة موقفاً ينطوي على الكياسة وبعد النظر، ويكشف عن ناحية أخرى من نفس هذا السياسي الناهض، تلك هي ناحية التعقل والنظر إلى حقائق الأمور دون مغالطة فيها أو تغاب عنها

كان إبراهام يمقت نظام العبيد من أعماق نفسه وهاهو ذا يجد نفسه اليوم بين أمرين: تطرف الداعين إلى القضاء على هذا النظام طفرة، وما اتخذه مجلس مقاطعته من قرارات رجعية لم يستطع هو وأنصاره تلافيها. أما عن قرارات المجلس فإنها كانت على الأرجح تعبر عن ميل أعضائه وخاصة الديمقراطيين إلى محاربة الدعوة القائمة لتحرير العبيد؛ وكان أن أعلن إبراهام هو وزميل له احتجاجاً على قرار المجلس يتضمن أنهما وإن كانا يريان مسألة العبيد قائمة على الجور وخطل السياسة إلا أنهما يعتقدان أن ما يدعو إليه المتطرفون إنما يساعد على ازدياد الخلاف بين الولايات؛ كذلك هما يعتقدان أن موقف المجلس في قراراته لا يطابق الدستور. ولقد ذاع في الناس هذا الاحتجاج فأضافوه إلى ما عرفوه عن لنكولن من حميد الخلال؛ وهاهو ذا ينتخب للمرة الثالثة وهو في التاسعة والعشرين؛ يطول باعه في المحاماة كلما تصرمت الأيام، وترسخ قدمه في السياسة، ويعلو كعبه في الخطابة. وكان أكبر معارضيه ومناوئيه إذ ذاك دوجلاس وكانت له مواقف يظهر فيها على إبراهام في المجلس بلفتات ذهنه ولباقته، وسرعة انتقاله من فكرة إلى فكرة ومن قضية إلى قضية؛ ولكن إبراهام كان المتفوق الظافر إذا كان الأمر أمر إخلاص أو أمانة أو بعد نظر أو دقة تحليل. وأحب الناس في المجلس وخارجه مما أحبوا من صفات لنكولن

<<  <  ج:
ص:  >  >>