المسألة قد آلت آخر الأمر إلى الرفض وانصرفت عنه ماري أوين. وظل بعد انصرافه عنها حائراً لا يدري أيحمل ذلك على الفوز أم يحمله على الخيبة؛ على أنه يعلن في عزم مصمم أنه لن يفكر بعد في الزواج
ومن العظماء من تنطوي نفوسهم على نواحي ضعف تكافئ نواحي القوة فيها؛ ومن هؤلاء لنكولن، من نواحي ضعفه هذه الحيرة الخوارة إذا كان الأمر أمر نساء؛ فهل كان يرى في سكنه إلى زوجة قيداً يحرمه من حريته، أم هل كانت تعوزه الكفاية لهذا الغرض؟ من العسير أن نرد هذا إلى سبب واضح محدود. .
وما باله يتورط بعد ذلك في صلة جديدة؟! ينصرف عن ماري أوين ليتصل بماري تود؟ كانت هذه الفتاة تنتمي إلى درجة دونها درجته، وكانت مهذبة مثقفة، شديدة الذكاء، تدير الحديث إذا جمعها بالنابهين من أهل المدينة مجلس، فتسخرهم بتوقد الذهن وقوة المبادهة ولطف الإشارة وأناقة العبارة. وكانت ماري إلى ذلك ذات طمع وطموح، فكانت نظرتها إلى الشباب من طبيعة نظرتها إلى الحياة؛ المقدم فيهم عندها من تعرف أنه إذا نالت يده يخطو بها إلى ما تمد عينيها وخيالها من جاه ونفوذ. وكانت فتاة قلقة كأنها من فرط توثبها الطائر المدل لا يحط على غصن إلا ليثب منه إلى غصن. . .
وكان لنكولن ممن يختلفون إلى دارها الجميلة التي تدور بها حديقة صغيرة فينانة، كما كان دوجلاس ممن يختلفون إلى تلك الدار؛ كأنما صحت عزيمة هذا الرجل أن يأخذ على منافسه كل طريق! وأخذت الرجلين عينا ماري السريعتان النافذتان ولكنهما استقرتا على إبراهام. وكان دوجلاس خليقاً أن ينال عندها الحظوة بما كان يبدو من ذكائه ودهائه ولباقته وكياسته، وبما كان يشع من ظرفه وحسن سمعته وأناقة هندامه، ولقد كان يبتغي إليها الوسيلة، لا تفلت منه في ذلك فرصة ولا تفوته حيلة. ولكنها اتجهت إلى ابن الغابة في هندامه المتهدل القصير على جسمه المرهف الطويل ولم ينب في عينيها وجهه المسنون الذي يحمل من البلاهة بين يديها قدر ما يحمل من هموم الأيام، ولم ينب عن ذوقها شعره الأشعث الذي يصور للعين ألفاف الغابة!
ومضت الأيام وابراهام يتزيد من حبها بقدر ما يفقد دوجلاس؛ ولكنه يسر إلى صديقه سبيد أنه لا يشعر نحوها من الحب بما عساه أن يفضي إلى الزواج، ويهم أن يكتب إليها ذلك،