للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(من ذا يستطيع أن ينسج أغانيها على منواله إن أنا انزويت على شاطئ الحياة لا

أستشعر في نفسي سوى الموت والحياة الأخرى؟)

(لقد توارى أول نجم بزغ عند بزوغ الغروب)

(ووميض نار الموتى إلى جانب النهر الهادئ يخمد رويداً رويداً)

(وعواء أبناء آوى يرتفع من جنبات المنزل الموحش في ضوء القمر الشاحب)

(وإذا تلبث مسافر هنا قليلاً ليرقب الليل، وأطرق حيناً ليسمع همهمة الظلماء؛ فمن ذا

الذي يسكب في مسمعيه أسرار الحياة إن أنا أوصدت دونه بابي لأتحلل من قيود الإنسانية؟)

(إنها خرافة: أن يدب الشيب في شعراتي)

(إنني دائماً شاب كأصغر شباب القرية، وشيخ كأكبر كهولها)

(بعض الناس ترتسم على شفاههم ابتسامة عذبة رقيقة، والبعض يشع من نظراتهم

الخبث)

(بعض تنهمر عبراتهم في وضح النهار، والبعض يكفكفون دموعهم في هدأة الليل)

(كل أولئك في حاجة شديدة إليّ، فأنا لا أجد في عمري مُنفسحاً لأفكر في الحياة الآخرة)

(إنني أعيش مع كل أولئك، فماذا يضيرني إن دب الشيب في شعراتي)

- ٣ -

عند الصباح طرحت شبكتي في البحر

ثم جذبتها من الهوة السحيقة فألفيت فيها أشياء ذات بهجة وجمال: بعض يشع كالابتسامة،

وبعض يلمع كالعبرة، وبعض يتألق كأنه خد عروس

وعند الأصيل عُدتُ إلى داري أحمل ثقل يومي؛ وعلى جانب الطريق رأيت التي أحب

جالسة في الحديقة لا تجد عملاً فهي تعبث بأوراق زهرة

فاندفعت إليها وألقيت ثقلي عند قدميها ثم وقفت بازائها صامتاً

ونظرت هي إلى أشيائي ثم قالت: (ما أعجب ما أرى! ماذا يفيد كل هذا؟)

فأطرقت ملياً والخجل يعركني عركا، ثم طاف بخاطري (أني لم أجهد نفسي في سبيل

هذا، ولم أدفع له ثمناً؛ إن كل ذلك لا يستأهل أن يكون هديتي إليها)

<<  <  ج:
ص:  >  >>