الشعب العريق في وطنيته واستقلاله جنحت إلى نوع من اللين والمودة. وفي سنة ١٨٠٠، أصدرت الحكومة البريطانية قانون الاتحاد الارلندي، وبمقتضاه اعتبرت ارلنده جزءاً من (المملكة المتحدة)(بريطانيا العظمى) تمثل في البرلمان البريطاني بثمانية وعشرين عيناً وأربعة أساقفة، ومائة عضو في مجلس العموم. وتدفع ارلنده للخزينة البريطانية مبلغاً معيناً. ولها حرية التجارة، وحرية الاحتفاظ بنظمها القضائية والتنفيذية الخاصة. وكان لهذه الخطوة أثرها في تهدئة الشعب الارلندي. ولكن الحركة الاستقلالية لبثت قوية تتحين فرص العمل. ولم يصف قط كدر العلائق بين بريطانيا وارلنده. على أن حركة قومية جديدة معتدلة ظهرت: قوامها المطالبة بالحكم الذاتي أو الحكم الداخلي لارلنده وقويت هذه الحركة في أواخر القرن التاسع عشر بقيادة الزعيم الوطني بارنل، وغلب هذا الاتجاه في الحركة الوطنية الارلندية حيناً. وحاول حزب الأحرار أن ينتهز هذه الفرصة المعتدلة لتحقيق الأماني الارلندية وكسب صداقة الشعب الارلندي، فقدم غلادستون رئيس الحكومة يومئذ إلى البرلمان مشروع الحكم الذاتي الارلندي، ولكنه رفض مرتين (سنة ١٨٨٦ و ٩٣)، وعاد الأحرار لاستئناف السعي قبيل الحرب، فقدم مستر اسكويث رئيس الوزارة مشروع الحكم الذاتي الارلندي وصودق عليه سنة ١٩١٤. ولكن نشوب الحرب الكبرى حال دون تنفيذه. وهنا تبدأ مرحلة جديدة في حركة الاستقلال الارلندية.
- ٢ -
وفي بداية الحرب بذل الزعماء الارلنديون وعلى رأسهم (جون ردموند) كل جهد لمعاونة بريطانيا العظمى، وتطوع كثير من الارلنديين في الجيش البريطاني. ولكن الأحقاد القومية القديمة ما لبثت أن اضطرمت، ووثبت الحركة الاستقلالية مرة أخرى، وقامت ثورة أيرلندية جديدة في سنة ١٩١٦ كان مدبرها حزب (السين فين) الجمهوري الذي أسس قبل ذلك بقليل ليعمل على استقلال ارلنده، فأخمدها الإنكليز بشدة، وفي نهاية الحرب توفي جون ردموند، فزادت علائق البلدين سوءاً واضطراباً، وقامت الجمعيات السرية الاستقلالية في جميع أنحاء ارلنده، وبرز حزب السين فين في الطليعة.
وهنا نقف قليلاً للتعريف بحزب السين فين هذا الذي غدا روح الحركة القومية الأرلندية، وكتب لنفسه في سير الجهاد الوطني صحفاً خالدة. ففي سنة ١٩١٥ أسس فريق من