الجناح الذي قبل المعاهدة وعمل لتنفيذها قابضاً على ناصية الحكم بزعامة مستر كوزجريف رئيس الحكومة الارلندية مدى أعوام، ولبث فريق الأقلية بزعامة مستر دي فاليرا موضع الاضطهاد والمطاردة، وسارت دولة ارلنده الحرة في الطريق الذي رسمته معاهدة لندن، والتحقت بعصبة الأمم منذ عام ١٩٢٣. ولكن حزب السين فين الجمهوري لم يفتر عزمه ولم يتحول عن سياسته، وكان الاضطهاد الذي يلاقيه من عوامل تقويته وازدياد أنصاره، وجاءت الانتخابات سنة ١٩٢٧ مؤيدة لقوته ونفوذه، فنالت الحكومة فيها أقلية، ونال الجمهوريون أغلبية، ولكن الرئيس كوزجريف استطاع ببعض التدابير السياسية والبرلمانية أن يحتفظ بالحكم أعواما أخر. وفي فبراير سنة ١٩٣٢ حصل الجمهوريون على أغلبية جديدة، فانسحب كوزجريف، واستولى الجمهوريون بزعامة دي فاليرا على الحكم؛ وبدأ عهد جديد من النضال الرسمي بين إنكلترا وارلنده هو الذي نشهده اليوم.
ويجب أن نذكر كلمة عن دي فاليرا زعيم ارلنده الحالي. فقد ولد ايمون دي فاليرا سنة ١٨٨٢ في نيويورك من أب إسباني وأم أيرلندية، ودرس في معاهد ارلنده، وتخصص في العلوم الرياضية ونال عدة إجازات جامعية، وتولى التدريس حيناً، ثم انتظم في الحركة الوطنية وخاض غمار السياسة، وانضم إلى حزب السين فين، وظهر في زعامته بسرعة، وكان من زعماء ثورة سنة ١٩١٦، فأسر وقضي عليه بالإعدام وخفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة. ثم أفرج عنه عند صدور العفو العام في سنة ١٩١٧ وعاد فتزعم حركة السين فين وأصبح قائدها ورأسها المدبر، وانتخب رئيساً (لجمهورية ارلنده) فاعتقل ثانية، ثم فر في سنة ١٩١٩ إلى أمريكا وعاد بعد عامين إلى ارلنده، واشترك في مفاوضات معاهدة لندن، ولكنه لم يقبل النتائج التي انتهت اليها؛ وشهر الخصومة على المعاهدة منذ عقدها؛ وأعلن الثورة على دولة ارلنده، فقبض عليه في أغسطس سنة ١٩٢٣، وافرج عنه بعد عام، فعاد إلى النضال السياسي، ودخل البرلمان سنة ١٩٢٧ على رأس كتلة جمهورية قوية، وتولى رياسة الحكومة الارلندية منذ أوائل سنة ١٩٣٢.
وأبدى دي فاليرا مذ قبض على ناصية الحكم عزمه على تنفيذ البرنامج القومي الجمهوري، وخلاصته العمل على تحقيق الاستقلال التام لارلنده الموحدة في ظل النظام الجمهوري؛ وإلغاء كل ما فرض عليها من رسوم التبعية البريطانية. ذلك لأن معاهدة لندن شطرت ارلنده