ان العنف صائر بالبلاد إلى الخراب والدمار، فاتفق الفريقان بعد نحو عام من تلك الحرب المضطرمة على عقد هدنة يحاولان خلالها التفاهم والمفاوضة، فهدأت البلاد حيناً، وعقدت عدة مؤتمرات للمفاوضة بين ممثلي السين فين وممثلي إنكلترا، وانتهت في ديسمبر سنة ١٩٢١ بعقد معاهدة عرفت بمعاهدة لندن؛ وبمقتضاها اعترفت إنكلترا باستقلال ارلنده الجنوبية ومنحها نظام الدومنيون (الأملاك المستقلة) مع احتفاظ بريطانيا ببعض رسوم السيادة على ارلنده: كفرض يمين الطاعة للعرش، وجعل استئناف الأحكام النهائي امام مجلس الملك الخاص، وتعيين حاكم يمثل التاج. ووافق البرلمان الارلندي (الديل) على المعاهدة في يناير سنة ١٩٢٢، ولكنها لم تصادف قبولاً من الجناح الجمهوري المتطرف الذي يقوده الزعيم دي فاليرا، فرفض المعاهدة واستقال دي فاليرا من رآسة البرلمان احتجاجاً عليها، فخلفه آرثر جريفث في رآسة البرلمان وأتم مع زميله ميخائيل كولنس المفاوضات مع إنكلترا. وعلى اثر عقد المعاهدة انسحبت القوات البريطانية من ارلنده الجنوبية، وأقيمت حكومة مؤقتة برآسة ميخائيل كولنس، وقامت دولة ارلنده الحرة طبقاً لنصوص المعاهدة. وأجريت في يونيه انتخابات جاءت بأغلبية في صف المعاهدة، ولكن الجناح الجمهوري المتطرف لبث على موقفه يعارض المعاهدة بكل شدة، ودب الخلاف في صفوف (السين فين)، واخذ كل فريق يرمي الأخر بالمروق والخيانة، واستعملت الحكومة الجديدة العنف في قمع خصومها، فرد هؤلاء بالعنف والعدوان، واغتيل كولنس في أغسطس وتوفي جريفيث قبله بأيام، فتولى الزعيم كوزجريف رآسة الجمهورية، وشدد على الجمهوريين ووضع الدستور الارلندي الجديد في دائرة معاهدة لندن، ونص على أن الشعب الارلندي هو مصدر جميع السلطات، وعلى أن البرلمان قوامه الملك ومجلسان هما (الديل) ومجلس الشيوخ، وعلى أن اللغة الارلندية (الجايلقية) هي لغة الدولة. وأنشئ جيش ايرلندي وطني. وعين الزعيم الارلندي هيلي حاكماً عاماً (ثم خلفه الزعيم ماكنيل) ليمثل حقوق التاج.
- ٣ -
استطاعت السياسة البريطانية ان تجعل من المعاهدة الارلندية أداة لتمزيق الحركة القومية الارلندية، وشطر السين فين إلى فريقين خصيمين وفق ما قدمنا، ولبث فريق الأغلبية وهو