حج مبرور من بُناة العقل إلى أرض الروح. الروح الذي لم يجدوه في الدفاتر والمخابر فراحوا يبحثون عنه في الصحراء. . . الكتاب الكبير المسطور بالرمال الخالدة والكلمات الصامتة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاب مثلهم ففهم بها خبر السماء وطلاسم الوحي
لا أستاذية ولا (دكترة) ولا مخابر ومنابر، وإنما هناك هياكل خالدة عامرة أبداً بالنجوم، ومحاريب يسجد فيها الصباحَ والمساء، ومنصات تقف عليها الطبيعة صامتة متجردة لا تتشح (بالروب) ولا تهز ذقنها كما يهز العلماء لحاهم حين يلقون الدروس!
عشتم أياماً في التاريخ، على هامش الحياة، في مركز الأرض، في مهد الإنسان، في حضن الأم الوالدة، في مكان الخمائر، في البدائيات
التفتت إليكم الجبال والرمال والآثار التي تعرف محمداً وأصحاب محمد من الشباب، إذ كنتم أول فوج عجيب زارها في القرن العشرين، فعرفت أن الزمان يتمخض عن شيء
ناقلتم الخطا على مواقع أقدام رسولكم الأعظم وتلاميذه الأبطال. . . فأحاطت بكم الأرواح والأطياف لتنظر براعم الربيع الجديد وتربيها، وتعمل سحرها فيها
سيكون لكم في التاريخ الجديد ما كان لنقباء (بيعة العقبة) في التاريخ القديم، يا نقباء الجامعة. فافهموا ما يشير إليه الزمان
وقفتم في مركز الدائرة التي يقف المسلمون على محيطها بالاعتقاد في الله الواحد، وبالمساواة في الشرع الواحد، وبالأخوة في الدين الواحد، وجباه المسلمين في المشرقين والمغربين تحيط بكم من جميع الآفاق ساجدة يصعد إلى الله الأعلى كلمها الطيب وعفرها الطاهر. . . وتسافر إليكم نظراتها مخترقة الحجب والسدود حتى ترى في الغيب ما ترون في الشهادة. . .
تجردتم عن المخيط من الثياب وعن الزينة والنعومة والتطرية وخرجتم نساكا شُعثاً غبراً طالت لأظفاركم وتهدلت شعوركم، وكل منكم ناحل ضامر في استغراق روحي عميق،