فيه من الضعف والمهانة حتى أصبحوا أمماً مستعبدين أو جماعات متخاذلين
أولها - أن الخليفة نائب عن الأمة وولايته مستمدة من ولايتها، وسلطانه فرع من سلطانها، فقد اختار المسلمون أبا بكر بعد وفاة الرسول من بينهم وأقاموه خليفة عليهم ليسوموهم ويدبر أمورهم وفق كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومهتدياً في ذلك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعتضداً بمشورة أولي الرأي منهم، فهو وكيلهم في ذلك ومعقد نظامهم ورأس وحدتهم؛ وهو في هذا الأمر كما كان الرسول، غير أنه لا يأتيه الوحي ولا يزيد في الدين ولا ينقص منه، ولا يمتاز فيه عن سائر أمته إلا بما قد يمتاز به أي فرد من أفرادها من سعة في العلم وزيادة في الفقه وتعمق في النظر وإجادة في الاستنباط
ثانيها - أن الخليفة لا يكون إلا واحداً حتى لا يكون تعدده مثار خلاف أو فرقة بسبب ما قد يحدث لكل من شيعة تتشيع له أو حزب ينتصر لرأيه، وحتى لا يكون في تصريف الأمور اختلاف يعوق دون الإسراع في تدبيرها وتلافي الأخطار التي قد تتعرض لها الدولة
ثالثها - أن اختيار الخليفة وانتخابه ليس إلا لمن يقدر خطر الخلافة ويزن نتائجها ويعرف ما يجب أن يتوفر في الخليفة من جدارة وأهلية وقدرة وكفاية. وهؤلاء هم أولي الرأي في الأمة المعروفون في الصدر الأول بأهل الحل والعقد؛ أما غيرهم فالشر كل الشر في إيكال ذلك إليهم، لأنهم يستمعون لكل صيحة، ويهبون مع كل ناعق، يخدعهم الرياء والسمعة، ويغريهم الطلاء والبهرج، وتطمعهم الأكاذيب ويعميهم الجاه والثراء. وأهم ما يلاحظ اليوم على المجالس النيابية من عيوب عدم كفاية أعضائها، ووجودهم إنما يرجع إلى سوء اختيارهم، وذلك بإيكاله إلى من لا يحسنه
رابعها - خضوع الأقلية في ذلك لرأي الأكثرية حتى لا يتفرق الأمر وينقطع الحبل
وهناك نتائج أخرى لا يتسع المقام لتفصيلها، ولذا نكتفي بهذا البيان عسى أن يكون فاتحة بحث جديد في تفصيل أسس الحكم الإسلامي، ومبدأ اتجاه في إقامة الحكومات الإسلامية اليوم على سنن الحكومة الإسلامية الأولى حتى يعود للمسلمين على أيدي حكوماتهم ما كان لهم أيام حكومتهم الأولى من عزة ومجد وسؤدد.