للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جلدي جلدك؛ فدعا له بخير

يرى مما ذكرنا أن حكومته صلى الله عليه وسلم كانت شورية ما أمكن أن يكون للمشورة محل، لأنها كانت في كثير من الأمور تستند إلى الوحي، ولم تكن عصمة الرسول وما أعطيه من الدرجة الرفيعة ليمنعه من أن يستشير أصحابه، وذلك ليعلمهم البحث ويهديهم إلى النظر الصحيح، والى وسائل الحكم الصالح المنتج، ويشعرهم بوجودهم ويعودهم تحمل نتائج بحثهم وتفكيرهم وفي ذلك تطبيب لنفوسهم وتوفير لمرضاتهم. وقد كانت رياستها إليه وحده بحكم رسالته واختياره من ربه لإظهار دينه ونشر تعاليمه. فلما توفى كان لابد للمسلمين من أن ينظروا فيمن يخلفه في تلك الرياسة العامة، فكان أول من بادر إلى التفكير في ذلك جماعة الأنصار من الأوس والخزرج، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، ولم يكد يلتئم اجتماعهم حتى وصل نبؤه إلى أبي بكر وعمر فأسرعا إليهم، وكان بينهم نقاش وجدل فيمن هو أولى بالخلافة. أيليها أحد الأنصار أم أحد المهاجرين الأولين من قريش، أم تكون شركة بينهم من الأنصار أمير، ومن المهاجرين أمير؟

لم يكن القوم يومئذ داعين إلى عصبية ولا طامعين في تغلب وجاه، ولا نافسين بعضهم على بعض مراكزهم، ولكنهم فوجئوا بوفاة الرسول دون أن يستخلف أو يسن لهم فيه سنناً أو يشرع لهم فيه شرعاً، يستبين به وجه الحق ويتعين به الخليفة؛ فأسرعوا إلى بحث ذلك خشية الفرقة، يبتغون الحق، ويتبينون الصواب، ويستجلون المصلحة، فما إن خطبهم أبو بكر حتى ظهر لهم جميعاً الحق واندفعوا وراء عمر رضي الله عنه مبايعين أبا بكر، حتى لقد سبقه بعضهم إلى يده وإن كان أسبقهم إلى طلب بيعته. لقد اتفقوا في ذلك الاجتماع على أن يكون خليفة يخلف الرسول إمامته، وعلى أن يكون الخليفة واحداً لا متعدداً، وعلى أن يكون أبا بكر رضي الله عنه. وما ذاع ذلك حتى كان فيه رضا أولي الرأي من بقية المهاجرين والأنصار، فأقبلوا على أبي بكر بالمسجد مغتبطين مبايعين، ولم يتريث إلا بعض بني هاشم، تباطئوا ثم بعد ذلك بايعوا، ولم يكن تباطؤهم مانعاً دون تمام خلافته وأخذه في مباشرة أسبابها في سيره في حكومته على نهج الرسول

ولقد انتهى المسلمون في أمر إقامة الخليفة إلى نتائج قيمة وثمرات صالحة طيبة، أضاعها الخلف فحرموا طيباتها، ومنوا بشرور تجنبها وويلات مجافاتها، فأصابهم ما أصابهم مما هم

<<  <  ج:
ص:  >  >>