عليه فيها كتاب، وبخاصة ما كان منها متصلاً أو متعلقاً بالغزو والدفاع، فاستشار الأنصار يوم بدر في قتال المشركين، فقال له سيد الأوس سعد بن معاذ:(والله لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك). وأخذ برأي الحباب ابن المنذر الأنصاري حين رآه ينزل عند أدنى ماء من بدر فقال له:(أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة) فقال له عليه السلام: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة) فقال: (يا رسول الله ليس لك هذا بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فننزله) فقل عليه السلام: (قد أشرت بالرأي) ثم استشار أصحابه في أسرى بدر وأخذ برأي من أشار عليه بقبول الفداء فعاتبه الله في ذلك وأقره. واستشارهم في إطلاق زوج ابنته زينب ورد قلادتها التي أرسلت بها فداء إليها. واستشارهم في غزوة أُحد أيقيم بالمدينة حتى يلقى العدو على أبوابها أم يخرج إليه، وكان يرى المقام، ولكنه أخذ برأي الجمهرة منهم. واستشارهم في طريقة الدفاع عن المدينة يوم الخندق. ولو أردنا أن نعدد ما استشار فيه عليه السلام أصحابه لطال بنا القول وما أحصينا أكثره؛ وإن ذلك ليكفي في أنه عليه السلام وهو الموحي إليه المعصوم كان يعتمد في حكومته على مشورة أصحابه يبحث معهم الأمر، يحزبهم ويناقشهم فيه حتى ينتهوا فيه إلى الحق، فلا يكون لأحد بعد ذلك خلاف. وذلك ما أدبه ربه عز وجل بقوله: وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله). وكان عليه السلام إلى هذا عادلا لا يميز بين أصحابه ولا يكرم عليه من بينهم قريب لقرابة أو ذو جاه لجاهه، بل أنه ليسوي بينهم وبينه فيرضى أن يقاد من نفسه. لقد تقدم إليه بعض صحابته يوماً ما بشفاعة في قطع يد امرأة مخزومية فقال عليه الصلاة والسلام: أشفاعة في حد من حدود الله؟ والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها. ولقد أتاه يوماً رجل يتقاضاه ديناً فأغلظ له، فهم به بعض أصحابه، فقال عليه السلام: دعوه فإن لصاحب الحق مقالا. وقال له أحد الأعراب وقد رآه يقسم بعض الغنائم: اعدل. فأجابه بقوله: فمن يعدل إن لم أعدل؟ خبت وخسرت إن لم أعدل. ومر عليه السلام بسواد بن غزية في غزوة بدر وهو خارج عن الصف فضربه بالقضيب في بطنه وقال له استقم يا سواد. فقال سواد أوجعتني يا رسول الله وقد بعثت بالحق والعدل فأقدني من نفسك. فكشف له الرسول عن بطنه وقال: استقد يا سواد. فاعتنقه سواد وقبل بطنه وقال إنما أردت أن يكون آخر العهد أن يمس