يعود إلينا صفر اليدين، طاوي البطن، ونحن نشاركه الطوى، ونقاسمه ألم الحرمان، أيرضيك هذا يا عائشة؟ وأنت يا حفصة؟ أجيبي يا سودة. وأنت يا أم سلمة مالك لا تتكلمين؟
على هذا النحو من الحديث جرت الألسنة في بيت عائشة، وقد انعقد المؤتمر من أمهات المؤمنين، وكلهن تائق إلى شيء من الترف يرجو أن يساهم فيما أفاء الله على رسوله، بعد أن حملت إليه الجزي، ووصلت إليه هدايا أرباب التيجان؛ فإذا هو يبعثر النضار ذات اليمين وذات اليسار، ثم يقنع بالعيش الظليف، والمأكل الطفيف، وينام بجانب زوجاته على بساط من أدم حشوه ليف
أوَ ليس من حق نساء النبي أن يطمحن إلى ما هو فوق هذا المستوى من المعيشة، ويتطلعن إلى لون آخر من ألوان الحياة؟ ولم لا يفعلن وفيهن بنت أبي سفيان، وأبو سفيان زعيم قريش، وفيهن بنت حي بن أخطب، وحي كبير بني النضير، وفيهن غير هاتين ممن كن يرفلن في مطارف النعيم، ويجررن أذيال الرفه في بيوت آبائهن؟ فكيف لا يتبرمن بهذا اللون من الحياة الذي يعالجنه في بيت رسول الله؟
ولقد كن يلتمسن له شيئاً من العذر لو لم يكن هذا الشظف من صنع يده، ووليد زهده، وعزوفه عن الدنيا؛ أما والأمر ليس كذلك، فما هن والصبر عليه؟
لقد اتسعت آفاق معلوماتهن عن الدنيا، وعرفن كثيراً عن قيصر في الروم، وكسرى في الفرس، والنجاشي في الحبشة، والمقوقس في مصر؛ وهن يرين أنفسهن تحت أمير تدين له جزيرة العرب بالطاعة لا يقل خطراً عن هؤلاء الأمراء
وهل المرأة إلا المرأة منذ تحدرت من أعماق التاريخ إلى أحدث عصور المدنية والنور؛ امرأة البدو، هي هي امرأة الحاضرة؛ همها الأول زينتها. هي من ناحيتها تريد أن تساعد الطبيعة التي سلحتها بالنعومة والجمال أداتي جاذبية وإغراء لحفظ النسل، كما سلحت الزهرة بطيب العرف وألوان الطيف، حتى تجتذب الطيور فتكون رسلاً تحمل حبوب التلقيح
لم يكن بدعاً إذن من نساء الرسول أن يأتمرن به على هذا النحو، حتى إذا دخل عليهن أحطن به إحاطة السوار بالمعصم، وانطلقت ألسنتهن في حماس