وبعد، فإنما أردت بهذا الفصل أن أعرض لحياة النبي المنزلية ولبعض المشاكل الزوجية التي كانت تعترضه، ولأسلوبه في معالجة تلك المشاكل، حتى نعرف محمداً الزوج، كما عرفناه محمداً القائد ومحمداً المشرع، وما أكثر عظمة النبي التي تحتاج إلى الدرس والتمحيص. على أن الناحية الزوجية ليست أقل خطراً إذا لاحظنا أن حياة الرسول في بيته كانت بمثابة الحجر الأساسي لكل بيت مسلم، وأن الأمة تتكون من مجموع بيوتها
ولعل القارئ لا يرتاع لتلك المؤامرات التي كانت تدير في بيت الرسول، فقد تكون هينة لينة إذا قيست بما اعتيد تدبيره في بيوت الأمراء من المؤامرات التي تنضح بالدماء
ولقد كانت حياة النبي فترة انتقال في كل ظاهرة من ظواهر الحياة العربية، وكانت المرأة حديثة العهد بالحرية. وقلما يحسن استعمال الحرية من هو حديث العهد بها، كما يحسنه الناشئ عليها الدارج في بحبوحتها
على أن توفيق النبي في إدارة شؤون بيته لم يكن دون توفيقه في حروبه؛ ولعل مما يسترعي النظر أن كثيراً من القواد البارزين الذين عرفوا كيف يديرون دفة السياسة في أممهم، قد عجزوا عن إدارة بيوتهم. ولست أحدثك عن امرأة نوح أو امرأة لوط اللتين ورد ذكرهما في التوراة والقرآن، ولكني أستطيع أن أذكر لك طائفة من أبطال التاريخ الحديث. ولعل من هؤلاء (نابليون) عاهل فرنسا و (مصطفى كمال) عاهل تركيا
ولعل حكمة الرسول في إدارة شؤون بيته تتجلى بشكل أوضح، إذا لاحظت أن سقفه كان يظل أمشاجا من الزوجات، تفصلهن عنه فوارق بعيدة المدى، كما تفصل بعضهن عن بعض أمثال تلك الفوارق، فلقد كان فيهن من تصغره بنيف وأربعين عاما، ومنهن ثيبات كن تحت أزواج قبله، وكان بينهن من اعتنقت الإسلام بعد اليهودية، ومن اعتنقته بعد المسيحية، ومن اعتنقته بعد الوثنية، وكان منهن ابنتا أصفى أصفيائه أبي بكر وعمر، وابنة أعدى أعدائه أبي سفيان، إلى غير ذلك من الفوارق التي تجعل إدارة دفة البيت أمراً عسيراً
وإني لأرجو بعد هذا ألا أكون قد تدخلت بين الرسول وزوجاته إلا بمقدار ما صورت العبرة. والحق أني أشعر في قرارة نفسي أن الموضوع وعر شائك، ولعل وعورته هي التي حببت إلي اقتحامه، وإن كنت أخشى أن يقال لي ما قالت (أم سلمة) أم المؤمنين لعمر بن الخطاب، حينما ذهب إلى بيتها ينحى عليها باللائمة في هذا الشأن فأجابته: (عجباً لك يا