للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه الدعوة اليسيرة الواضحة لقد تغنت بنفسها عن العنف والاضطرار: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). بل لقد استغنت عن استدراج الناس بفنون الإغراء والاستهواء

وهذه تكاليف الإسلام، ما قامت فيها مشقة إلا قامت بازائها رخصة؛ ولا كان في أحدها على أحد عسر إلا ذلل بين يديه طريق العذر. وهل بعد ذلك اليسر كله يسر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه). وقال تعالى في كتابه الكريم: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) صدق الله العظيم

لم يقتض الإسلام أحداً احتمال ما لا طاقة له باحتماله، فهذه تكاليفه، من استطاع القيام بها، وإلا تخفف منها في حدود أحكام الشرع الكريم، حتى تكافئ طاقاته ويتسع لها ذرعه، ولا يتحرج بها وسعه، مقبولاً عذره، مكفولاً عند الله أجره

ولعل من الخير أن أنبه في هذا المقام إلى شيء حقيق بالانتباه: ذلك بأن من القواعد المسلمة أن الضرورات تبيح المحظورات، (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا أثم عليه) فالتفريط في غير ضرورة، والتخفف من أحكام الشرع من غير داع جدي إثم من الآثام. ومن القواعد الأصولية المقررة أن الضرورة تقدر بقدرها. ولاشك بعد هذا في أن تتبع الرخص وتلمس المعاذير إنما هو ضرب من الاحتيال للتهرب من تكاليف الدين، وهيهات لا ينطلي على الله محال!

ومن يسر هذا الدين أنه لم يقم بينك وبين ربك أية واسطة. وليس من شك في أن ما تستطيع أن تتناوله بنفسك أيسر عليك وأدنى إليك مما لا تستطيع تناوله إلا بواسطة غيرك. فإذا زلت بك القدم، وقلبك الشيطان في المنكر، أقبلت على ربك، وسألته قبول توبك، والعفو عما أسلفت من ذنبك، مطمئناً إلى (أن الله يغفر الذنوب جميعاً). ليس بك حاجة إلى من يمهد بين يديك سبيل المعذرة، ولا من يعاني لك استخراج العفو والمغفرة

وبعد، فإن من يسر هذا الدين شدة تسامحه؛ ولا يذهب عنك أن هذا التسامح إنما كان من أبلغ الأسباب في عظمته

لا يدعوك الإسلام إلى كراهة ما يصدر عن مخالفك في الدين لأنه يخالفك في الدين، بل يدعوك إلى أن تكره منه ما يُكره، وتقر منه ما يُحب ويُؤثر، فهو وأخوك المسلم في هذا بمنزلة سواء

<<  <  ج:
ص:  >  >>