للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عليه الآن من التبهّم والتشكيك؛ لكنه ما لبث أن فاض نوره على العالم من أقصى الأرض إلى أقصى الأرض، وتجسمت الفكرة الأولى في نظام خلقي للفرد ونظام خلقي للجماعة على أكمل ما يكون. فإذا نحن حاولنا دراسة المثل الأعلى فعلينا بتلك الرجعة إلى المعايير الخلقية التي قامت عليها سيادة المسلمين

وإذا قام قادة الفكر منا يوجهون حياتنا نحو قيم خاصة لحقائق الحياة، فإن الجمهرة وراء هؤلاء القادة سوف يهفون إلى القيم الصحيحة التي تنزل بها الدين. ذلك عندنا نهاية السفسطة الخبيثة التي نعانيها اليوم، وذلك تنظيم لحياتنا الاجتماعية التي زلزلتها الفوضى. والفرد عندنا في كل ذلك أساس ينبغي أن نبدأ به؛ وتربيته غاية في نفسها؛ والدين يعترف أول ما يعترف بسمو الفرد وخطره، ويجب أن نعترف نحن أيضاً بهذا السمو

ولعل الإسلام أكثر الأديان تحديداً لواجبات الفرد وحدوده؛ ولعله أشد الأديان احتفاء بخلق مثلٍ أعلى يحدو الجماعة. وفي الإسلام فلسفة خلقية واضحة ليس علينا إلا أن نجلوها، وفيه أيضاً فلسفة سياسة تعتمد على طائفة من المعاني. وإنما مال بنا عن كل تلك الأصول إيماننا بما حاول الغرب أن يقيمه من مثل عليا. ومثل الدراسات التي عالجنا تسيطر على حياة الغربيين. وإذا نحن حاولنا أن نقيم مثلا أعلى فعلينا أن نتخذ منها مُعيناً، ولكن علينا ألا نسمح لها بأن تكون أخاذة مسيطرة

والفلسفتان الخلقية والسياسية أفضل ما ندعو لهما، لكن دراستهما سوف تقتصر على القادة دون العامة، وعلى المتعلمين دون الجهلاء. ولكن الدين عندنا هو الذي يجمع بين الفلسفتين، ويوازن بين الفريقين، ويؤلف بين القلوب، ويبث في النفوس روحاً فعالة لا تستأني ولا تستريب. وهو بعد ذلك أشد ما نحتاج إليه ليقيم لنا قيماً أخرى غير التي أقامها الغرب، ومعايير أخرى غير التي فرضها علينا الغرب

أحمد خاكي

<<  <  ج:
ص:  >  >>