للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الرسل فخرج منكوتمر من ذلك وبعث إليه الأمير كُرْت الحاجب؛ فلما دخل كرت وقف بعدما سلم، فقام له القاضي نصف قومة، ورد عليه السلام وأجلسه. , اخذ كُرْت يتلطف به في إثبات أخُوَّ التاجر بشهادة منكوتمر؛ فقال له ابن دقيق العيد: (وماذا ينبني على شهادة منكوتمر؟) فقال له: (يا سيدي! ما هو عندكم عدل؟) فقال: (سبحان الله!) ثم أنشد:

يقولون هذا عندنا غير جائزٍ ... ومنْ أنتمُ حتى يكونَ لكم عِنْدُ؟

وكرر ذلك ثلاث مرات ثم قال: (والله متى لم تقم عندي بيّنة شرعية ثبتت عندي وإلاّ فلا حكمت له بشيء باسم الله) فقام كرت وهو يقول: (والله هذا هو الإسلام). وعاد إلى منكوتمر واعتذر إليه بأن: (هذا الأمر لابد فيه من اجتماعك بالقاضي إذا جاء دار العدل)

فلما كان يوم الخدمة ومر القاضي على دار النيابة بالقلعة، ومنكوتمر جالس في الشباك، تسارعت الحجاب واحداً بعد آخر إلى القاضي وهم يقولون: (يا سيدي! الأمير ولدك يختار الاجتماع بك لخدمتك) فلم يلتفت إلى أحد منهم. فلما ألحوا عليه قال لهم: (قولوا له: ما وجبت طاعتك عليّ) والتفت إلى من معه من القضاة وقال: (أشهدكم أني عزلت نفسي باسم الله. قولوا له يولّ غيري) وعاد إلى داره وأغلق بابه، وبعث نقباءه إلى النواب في الحكم وعقاد الأنكحة بمعنهم من الحكم وعقد الأنكحة

فلما بلغ السلطان ذلك أنكر على منكوتمر وبعث إلى القاضي يعتذر إليه ويستدعيه، فأبى واعتذر عن طلوعه. فبعث إليه الشيخ نجم الدين حسين بن محمد بن عبود والطواشي مرشداً، فمازالا به حتى صعدا به القلعة. فقام إليه السلطان وتلقاه، وعزم عليه أن يجلس في مرتبته، فبسط منديله - وكان خرقة كتان خَلِقة - فوق الحرير قبل أن يجلس كراهة أن ينظر إليه، ولم يجلس عليه. وما برح السلطان يتلطف به حتى قبل الولاية، ثم قال له: (يا سيدي، هذا ولدك منكوتمر خاطرك معه، أدعُ له) وكان منكوتمر ممن حضر، فنظر إليه قاضي القضاة ساعة وصار يفتح يده ويقبضها وهو يقول: (منكوتمر لا يجيء منه شيء) وكرّرها ثلاث مرات وقام. فأخذ السلطان الخرقة التي وضعها على المرتبة تبرّكا بها، وتفرقها الأمراء قطعة ليدّخروها عندهم رجاء بركتها

هذا هو ابن دقيق العيد وتلك شدة مراسه في الحق

محمد مصطفى زيادة

<<  <  ج:
ص:  >  >>