والتي قصد بها أن تكون خريطة لتلك البلاد، وهي الخريطة التي اصطحبها ياقوت الحموي الإغريقي الأصل (١١٧٩ - ١٢٩٩م) أثناء رحلته في سوريا وفلسطين كما ذكر ذلك في كتابه إرشاد الأريب، عندما نوء بذكر كتاب البلخي، مما يدل على قيمته في عهده
وقد جعل البلخي للأنهار صورة تشبه الخطوط الغليظة المهشرة رمزاً للماء، وأحاط المدن والمعالم بدائرة تحدد القطر المقصود بالوصف، ورسم نهر دجلة وسطه فقسم البلاد إلى قسمين، وأظهر مصبه في الخليج الفارسي عند شط العرب، ورمز للمدائن بمربعات ومتوازيات أضلاع ودوائر ذات مساحات مختلفة تناسبت على ما يظهر مع قيمتها المدنية، ولا يضيره أنه جعل الخريطة بأكملها منحرفة نحو خمس وأربعين درجة عن الأفق. ومن المدن الواضحة على الخريطة بغداد والبصرة كما يتضح من النظر إليها
والخريطة الثانية مختارة من كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق للشريف الإدريسي المولود حوالي عام ١١٠٠، وهو من أمهات الكتب في علم وصف الأرض ومن أبرزها تأليفاً وأعرقها أثراً منذ القرون الوسطى. وقد نقل إلى كثير من اللغات الأوربية لاسيما اللاتينية والإيطالية والفرنسية، وضعه الإدريسي تلبية لرغبة الملك رودريجو (روجر الثاني ١٠٩٧ - ١١٥٤م) ملك صقلية ونابولي، الذي كلفه بعد دعوته إلى بلاطه وضع هذا الكتاب، وفرغ من تأليفه في منتصف القرن الثاني عشر المسيحي. والمؤلف عالم مغربي من مواليد ثغر سويتا، ذو ثقافة عربية أندلسية وذهن أوربي، وكان في مقدمة الرحالة الجغرافيين الذين جابوا الأقطار، وهو سابق على الرحالة ليفنجستون (١٨١٣ - ١٨٧٣) والرحالة ستانلي (١٨٤١ - ١٩٠٤) وغيرهما من الذين قرروا أنهم كانوا أول من اكتشف منابع النيل، ووضعوا هم ومن سبقهم أسماء ملوكهم وأمرائهم على البحيرات التي رسمها الإدريسي في إحدى خرائطه الفذة (ش٢) لسبعة قرون قبل مولد هؤلاء المستكشفين. فبينما ترى بحيرتي فيكتوريا نيانزا (أصلها أوكاريو نيانزا) وألبرت نيانزا (أصلها موتان نزيجا) اللتين تتكونان من المياه المنحدرة من جبال القمر قد تغير اسمها في الجغرافية الحديثة، لا ترى الإدريسي يفكر في إطلاق أسماء بعض خلفاء المسلمين أو أمرائهم على تلك البحيرات التي لا يبعد أن يكون قد رآهما بعينه كما رسمها بيده، وترى نهر النيل بعد تدفقه من تلك البحيرات والتفافه في وادي السودان وعبوره القطر المصري ينصب في البحر الأبيض