ووقعت الفتنة الكبرى بين المسلمين، فانشقت العصا، وغدا كل حزب يزعمون أن الحق إلى جانبهم، فانضم عمار إلى عليّ وأصحابه وهو يقول:(تالله لو ضربنا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمتُ أنَّا على حق وأنهم على باطل) وراح يدفع عن الحق فما يهن ولا يستكين. وإنه في يوم صفين لعلى رأس رجال من أصحاب النبي كأنهم علم، إن تيامن تبعوه وإن تياسر تبعوه، وهو يحرضهم بقوله:(أتفرون من الجنة والجنة تحت البارقة. اليوم ألقى الأحبة: محمد وحزبه) وفي يده حربة ترعد وهو ينادي: (ألا مَنْ يبارز؟ ألا مَنْ يبارز؟)
(ويحك ابن سمية! تقتلك الفئة الباغية!)
وشهد هذا اليوم مشهداً مروعاً من مشاهد الحرب تنفطر له الأكباد، هو قتل عمار بن ياسر! لقد رماه أبو العادية المزني بالرمح على حين غفلة منه فهو إلى الأرض. . . ثم أكب عليه آخر فاحتز رأسه في غلظة وجفاء. . . وانطلقا يختصمان لدى معاوية في رأس عمار وكل واحد منهم يقول:(أنا قتلته) علهما يصيبان أجراً. وعند معاوية عمرو بن العاص وابنه عبد الله ورجال من خاصته والمقربين إليه، فقال عبد الله:(ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: تقتله الفئة الباغية) وقال عمرو بن العاص: (والله إنهما ما يختصمان إلا في النار، ووالله لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة) فأربد وجه معاوية وهو ما يستطيع أن يدفع عن نفسه بعض ما أصابها، وفي قرارة نفسه أن جيشاً من أقوياء المسلمين وأشدائهم ما يقدر على أن ينال منه بعض ما يناله حديث عمرو بن العاص وابنه إن هو شاع بين جنوده
وهناك في العراء وقف علي بن أبي طالب عليه السلام بازاء جثمان عمار بن ياسر يقول وفي قلبه الأسى والحزن على أن فقد صاحب الرسول الله وحبيبه:(إن امرءوا من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر، وتدخل به عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد. رحم الله عماراً يوم أسلم، ورحم الله عماراً يوم قتل، ورحم الله عماراً يوم يبعث؛ لقد رأيت عماراً وما يذكر من أصحاب رسول الله (ص) أربعة إلا كان رابعاً ولا خمسة إلا كان خامساً، وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله يشك أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين، فهنيئاً لعمار بالجنة. . .)