كانت تتراقص أما عينيه، وبدل كل شيء في لحظة واحدة. . . فإذا الدنيا ممتلئة إشراقاً وضياء، وإذا هو قد انتقل من الصحراء القاحلة الجرداء، إلى دنيا تمور بالأحياء، وتموج بالناس، فيبالغ في فتح عينيه، وقد كاد يجن لفرط الدهشة. . . ولا يشك أن هؤلاء الذي يرى طائفة من الجن. . . ثم يعود إليه وعيه، ويصحو من نومه، فيتلو قول الله تعالى (يراكم هو قبيله من حيث لا ترونهم)، فيعلم أن ليس هؤلاء جناً، لأن الجن لا يمكن أن يراهم بشر، ولكنه لا يزال على شكه؛ أين هو؟ وما هذا الذي يرى؟ فيقول لمن كان يوقظه:
- أسألك بالذي تحلف به، إلا ما أخبرتني أين أنا؟
- أين أنت؟ أنت في هذه البادية!
- في هذه البادية؟! وما هذا الـ. . .
- ويحك يا رجل لقد حبست القافلة
- اسقوني شربة ماء
فيمضي الرجل ليأتيه بالماء، ويحدث كليب نفسه:
- إذن، فأنا قد نمت إلى الصباح
- خذ اشرب. . .
- الحمد لله! أشكركم
- لقد حبست القافلة
- وماذا تريدون مني؟
- نريد أن نعرف من أنت. . . إنا لنظنك عيناً للعدو، فمن أين أتيت؟
- أتيت من أعالي هذه الجبال أريد الشام فضللت ونفد زادي، وصهرت دماغي شمس الأمس، فعدت أركض على غير هدى حتى انتهيت إلى هذا المكان. . . ولست عدوّاً لأحد
- وما اسمك؟
- اسمي كليب، من آل أبي عقيل. . . وأريد الشام، فهل تمنون علي فتحملوني معكم؟ هذه هي دراهمي!
ويفرغ كيسه على الرمل، فتتكوم الدراهم والدنانير، تنعكس عليها أشعة الشمس فيخطف بريقها البصر!