الحجاج، نقطع في هذه القفزة سنوات طويلة مليئة بالأحداث الجسام، من قتل مصعب وعبد الله ابني الزبير، إلى عودة الوحدة الإسلامية على يد البطلين عبد الملك والحجاج. . . فنرى في شوارع واسط الفسيحة شيخاً أعرابياً جافياً يتلفت تلفت المشدوه الذي لم يبصر في عمره مدينة كبيرة، يتوسم في وجوه الناس بفضول ظاهر، فيفرون منه حتى زال النهار، وكلّت رجلاه من المسير فجلس في ظل دار من هذه الدور الجديدة، كئيباً حزيناً
- ما لك يا عمّ؟
-. . . . . .
- ما لك؟ أخبرني ما شأنك؟
فيرفع الأعرابي رأسه ويحدّق في وجه الرجل، حتى يطمئن إليه، ولا يرى فيه ما يريبه، فيقول له:
- أريد أن تدلني على رجل يدعى كليب بن يوسف الثقفي، من الطائف
فيضطرب الرجل، ويسأله:
- أتدري ويحك ما تقول؟ ابن يوسف الثقفي؟ أخو الحجاج؟ فلا يسمع الأعرابي هذه الكلمة حتى يسري عنه، وينطلق ضاحكاً بملء فيه، ويقول:
- بل هو والله الحجاج، كنا نسميه كليباً، قاتله الله ما أشد عقوقه. . . ألا تخبرني أين هو هذا الخبيث؟
- قبحك الله من أعرابي جاهل، أبهذا تصف الأمير؟
ويتلفت إلى كل جهة، وقلبه يكاد ينخلع من الرعب يخشى أن يسمع حديثهما أحد، ثم يقول للأعرابي هامساً:
- اخفض من صوتك. . . سألتك بالله!
- ولم ويحك؟
- ألا تعرف من هو الحجاج. . .؟ ألست من سكان هذه الأرض؟
فيعود الأعرابي إلى الضحك وقد راقه ما يسمع ويقول له: - بل أنا من سكان السماء؛ هبطت الساعة من أعالي جبال الطائف؛ أما الحجاج فأنا أعرف الناس به: معلم صبيان أحمق!