قال أردريكوس فيتالس أحد مؤرخي القساوسة:(عمَّ بلاء المرض فمضى بأهل بيوت كثيرة، كما إن الجوع قد أفنى المرض؛ فلما أن خربت النيران الأرض، خرج الأكثرون هائمين على وجوههم. فلما رأوا أن الأبْرَشيات قد طمست معالمها ودرست آثارها، فروا من الكنائس الخاوية هرباً إلى حيث لا يعلمون)
هذه صورة مما كان في أوربا الغربية، لما انفلق صبح الزمان عن غلام يتيم من أبناء قريش؛ فلما شب وترعرع، ثم تفتى وكاد يكتهل نزل عليه الوحي ليبشر بدين جديد، وليؤدي الرسالة الربانية للناس أجمعين، وكانوا من الهمجية على مثل ما رأيت في أوربا، يقتلون أولادهم خشية الإملاق ويئدون البنات ويعبدون أصناماً كثيرة تبول الثعالب برؤوسها، ويدينون بقوى سحرية، ويؤمنون بظواهر الطبيعة كآلهة. غير إنهم بالرغم من هذا صدقوا وآمنوا بما أُنزل إليهم. فإن صلابة محمد في نصرة الحق شدخت يافوخ الشرك والوثنية.
أدى محمد رسالته على خير ما تؤدى رسائل الوحي، فلما قبض كان نور الإسلام قد أنبلج فأعتنق أكثر العرب ذلك الدين القيم وأمنوا بالقرآن وآيتهما:(أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله)
وما لم يتح لنبي قريش أن يتم في حياته، أتمه من بعده خلفاؤه العظام. فإن رجال تلك الصحراء، وعلى رؤوسهم خوذات الحرب، قد امتطوا صهوات جياد قضيفة صغيرة الحجوم، أو ظهور إبلٍ عجاف، وخرجوا من فضائهم الأرحب ليغزوا ويمعنوا في الغزو، تعزيزاً للإسلام ونشراً لكلمة الله. ولقد اتقدت في جوانحهم نار الحمية فانتشروا في الأرض ومشوا في مناكبها، وتنقلوا فيها من مكان إلى مكان، بسرعة أقلقت أهل العالم القديم.
بدأت الغزوات في حكم الخلفاء الراشدين، أصحاب محمد المقربين. وفي أقل من قرن من الزمان رفعت راية الإسلام على الدنيا جميعاً من السند إلى جوف الصين، ولمعت سيوفه في مفاوز القوقاز وأغوارها، وسقطت مصر في يد العرب، وتبعها شمال أفريقيا، ثم الأندلس.
ومنذ فاتحة تلك الغزوات طغى مدها العظيم على وديان أورشليم الصخرية فاكتسحها، وأحاط الإسلام بهيكل المسيح أما طغيان الإسلام على أوربا جميعاً فلم يصده في الظاهر