غير عقبتين: شارل مارتل في الغرب، وحصون بوزنطية في الشرق. أما السبب الحقيقي في وقوف ذلك المدَّ الإسلامي العظيم عند ذلك الحد، وهبوطه بعد أنه كاد يبلغ الذروة العليا، فيرجع إلى أن أصحاب محمد قد انقسموا أحزاباً وتفرقوا شيعاً، وأختص كل حزب منهم بجزء من الأرض المغزوة. ولو إنهم ظلوا مجمعين على كلمة الإسلام إذن لأندحر شارل مارتل، وإذن لاندكت حصون بوزنطية، وتحقق بذلك وعيد معاوية للإمبراطور الروماني إذ قال له في كتاب أرسل به إليه لما علم بعزمه على غزو الشام إبان خلافه مع علي بن أبي طالب:(لئن تمْمت على ما بلغني لأصالحنَّ صاحبي، ولأكوننَّ على رأس طلائعه إليك، ولأجعلن القسطنطينية الحمراءُ حمامة سوداء، ولأخلعنك عن عرشك خلع الإسطفليتة، ولأرسلنك في الجبال ترعى الإبل)
لو لم ينشق المسلمون لتحقق هذا:(ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم)
ولقد كانت تلك الغزوات سبباً في أن يقف العرب، وهم يحملون أرقى الأديان وأمجد المدنيات، وجهاً لوجه أمام أولئك الهمج الذين ثبتوا أقدامهم في خرائب الإمبراطورية الرومانية، واعتنقوا دين عيسى فأصبحوا نصارى. وتجاورت قوات أوربا وقوات آسيا. فإن طلائع قوى النصارى كانت تلحظ عن كثب مقدمة معاقل الإسلام.
أما في الغرب، حيث شهدت الأندلس معارك أوربا والإسلام، فإن نصارى الفرنجة، وقد انتهزوا فرصة اضطرام نار الخلاف والموروث بين القبائل منذ الجاهلية، كانوا قد استردوا مفاوز (البرنيز)، ومضوا يتقدمون بتؤدة، مثبتين أقدامهم في شبه الجزيرة خطوة بعد أخرى. ذلك على الضد مما كان في الشرق. فإن المسلمين كانوا قد تقدموا نحو أوربا مخترقين آسيا الصغرى.
فيما بين هذين الطرفين: الأندلس غرباً، وآسيا الصغرى شرقاً؛ وفي وسط تلك الشقة، كان للإسلام اليد العليا: في الأرض كما في البحر. ذلك بأن العرب قد ألفوا البحر بسهولة، وشقوا عبابه مرحين. وابتنوا البوارج الفخام، فتحولوا شيئاً بعد شيء من غزاة فاتحين بحد السيف، إلى غزاة فاتحين بسلاح التجارة. ومن ثم ثبتوا أقدامهم في جزر البحر المتوسط، وبخاصة صقلية، وركبوا متن نهر (التيبر) حتى بلغوا جدران رومية.
ولم يمض غير قليل حتى أخذ العرب عن الشعوب التي غزوها مبادئ الثقافة القديمة،