واخترقت قوافلهم تلك الصحارى الشاسعات من بلاد الهند إلى أسواق حلب والإسكندرية؛ وإزدانت قرطبة والقاهرة بالقصور الشامخة ودور العلم الفخمة، وحكم هارون الرشيد في بغداد.
وهدأت الحالة واستقرت الأمور على امتداد التخوم. ذلك بان المسلمين كانوا أحد ذكاء وأكثر معرفة وأعرق مدنية واعظم قوة من جيرانهم همج النصارى.
حوالي ذلك الزمن بدت في أوربا بوادر جديدة، فان شارلمان ملك الفرنجة وحفيد شارل مارتل قد بدأ في تنفيذ خطته. فإن متابعة الحرب والمغازي المتتالية، واستئثار رجل واحد بالحكم كان سبباً في أن تكون إمبراطورية لم يدم بقاؤها أكثر من جيل واحد، وفي أثناء ذلك اتجه شارلمان ونبلاء جيشه نحو الشرق، ونصب أعينهم مدينة بوزنطية.
أما الذين اتزنت عقولهم فقد اعتقدوا أن عمل شارلمان إنما هو بداءة النظام وفاتحة حكم القانون، ذلك بأن آخر حكومة منظمة كانوا يذكرون قيامها، إنما هي حكومة الإمبراطورية الرومانية. ولذا اعتقدوا أنه ما من حاكم يصلح للحكم إلا عاهل قيصري، يملك زمام الأمر ويجمعه في يده. ولقد صحت نظرتهم فإن موت شارلمان كان سبباً في أن تتمزق تلك الإمبراطورية وتذهب بدداً.
بذهاب الإمبراطورية التي شيدها شارلمان عادت لأوربا عصور الظلام. فتفرقت الأمم وتنازعت الشعوب، من غير أن تعرف أمة أو يفقه شعب للخلاص طريقاً. لقد اقتتلوا كما اقتتل آباؤهم، بشراهة الذئاب. وفيما هم على حالهم تلك، ممزقة وحدتهم متفرقة كلمتهم، هبطت عليهم من الشمال عشائر من الهمج هم الدانيون والنورمان ممتطين عباب الماء.
برزوا إلى مسرح الحوادث العالمية، وكأنهم برزوا من أغوار البحار المجللة بالظلام والضباب، متلهفين إلى أرض مشمسة خصبة، هي أرض الجنوب، وكانوا غر مدجنين، يلبسون جلود الثعالب وإهاب الحيتان، ومن فوقها الذهب اللامع، وفي أيديهم سيوفهم الطويلة وحرابهم المسنونة وفؤوسهم الغليظة، فخربوا ودمروا وأحرقوا. واستقروا في النهاية حذاء الشواطئ.
ظلام من فوقه ظلام، ومن فوقه ظلام. وفي ذلك الوقت تخيل إنسان من طيبي النصارى خيالاً، واعتقد بأن نهاية العالم أي القيامة ستكون سنة ألف، أي في اليوم الأخير من القرن