للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العاشر الميلادي، وارتقب الناس ذلك اليوم، وأمضوا الليلة الأخيرة ساهرين، يتوقعون النفخة في الصور، ليهرعوا جميعاً إلى موقف الحساب، ولكن ذُكاء بزغت في نهاية الأفق صامتة كعادتها، منعشة كعهدها، وظهرت الأرض لابسة حليتها المعروفة، فلم يتغير بها من شيء.

ظلام في العقيدة وظلام في الفكر وظلام في الحضارة. تلك كانت حال تلك البقعة التي نعرفها باسم أوربا في أواخر القرن الحادي عشر المسيحي. فكيف كان العرب والإسلام؟

في أواسط القرن التاسع الميلادي أي في عهد الخليفة المأمون العبَّاسي، عاش محمد بن موسى الذي ألَّف في علم الجبر وعنه أخذت أوربا في أواسط القرن الرابع عشر، فإن مقالته في ذلك العلم قد ترجمت إلى اللاتينية واتخذت أساساً لتدريس الجبر في عصر النهضة العلمية في أوربا. وعقب عليه محمد بن جابر البتَّاني المتوفى سنة ٩٢٩ ميلادية وهو صاحب الزيج المشهور المعروف باسم الزيج الصابي، وله عدا الزيج شروح على المجسطي وشرح مقالات بطليموس ومقالة في الفلك والجغرافية؛ ويقول فيه المؤرخ أوليري: (كان زيجه أضبط ما وجد من نوعه عند العرب، وله عدة مستكشفات رياضية وفلكية ظلت العمدة في علم الفلك عهداً طويلاً في القرون الوسطى وفي مدارس أوربا على الأخص؛ وكان يلقب بطليموس العرب لثبات قدمه في علم الفلك وتضلعه فيه)

وفي حدود سنة ٨٢٨ للميلاد أمر الخليفة المأمون بقياس درجة من الهاجرة لاستقراء جرم الكرة الأرضية، وقام بهذا العمل أربعة من علماء الهيئة مدونة أسمائهم في صفحات التاريخ.

قال أبو الفدا:

(قام بتحقيق حصة الدرجة طائفة من القدماء لبطليموس صاحب المجسطي وغيره، فوجدوا حصة الدرجة الواحدة من العظيمة المتوَّهمة على الأرض ستة وثلاثين ميلاً وثلثي ميل. ثم قام بتحقيقه طائفة من الحكماء المحدثين في عهد المأمون وحضروا بأمره في برية سنجار وافترقوا فرقتين بعد أن أخذوا ارتفاع القطب محرَّراً في المكان الذي افترقوا منه. وأخذت إحدى الفرقتين تسير نحو القطب الشمالي والأخرى نحو القطب الجنوبي، وساروا على أشد ما أمكنهم من الاستقامة حتى أرتفع القطب للسائرين في الشمال وانحط للسائرين في

<<  <  ج:
ص:  >  >>