مثل ابن فاطمة يبيت مشرداً ... ويزيد في لذاته متنعم
ويضيق الدنيا على ابن محمد ... حتى تقاذفه الفضاء الأعظم
خرج الحسين من المدينة خائفاً ... كخروج موسى خائفاً يتكتم
وقد صبغ المحرم أدب الشيعة بصبغة سوداء قاتمة بالكآبة، حمراء ملطخة بدم الشهداء، كالحة تعلوها شارات التكدر والانزعاج من الوضع الراهن الواقعي، وهذا الأدب الباكي تسوده الأحلام بفردوس مفقود أسسه العدالة، يرجع فيه حق الحكم إلى أهله وذويه الشرعيين، لذلك فهو أبداً يندب (صاحب الزمان) الذي غاب عن الأنظار ليعود فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملأت جوراً وعسفاً. وسوف يعم في عهده الأمان ويسود السلام المجتمع حتى ترعى الشاة مع الذئب، فاسمع السيد حيدر الحلي يندب الإمام الغائب:
مات التصبر في انتظا ... رك أيها المحيي الشريعة
بك تستغيث وقلبها ... لك عن جوى يشكو صدوعه
ماذا يهيجك إن صبر ... ت لوقعة الطعن الفجيعه
حيث الحسين بكربلا ... خيل العدى طحنت ضلوعه
والشيعة تعتقد أن حكم اليوم مضرج بدماء الأبرياء، ملطخ ببقع سوداء من قضاء الجور والشبهات. وفي الحق أن الأدب الشيعي خير مثال لأدب التشاؤم الساخط على الحياة الحالم بالمثل الأعلى. ولا أريد أن أصدر حكماً عاماً شاملاً على أدباء الشيعة وأكسوهم بهذه الصبغة الحالكة، فمن قرأ غزليات السيد محمد السعيد الحبوبي الشاعر النجفي (طبع ديوانه في بيروت) وأسام سرح الطرف بين موشحاته الرقيقة وروضياته وخمرياته وجدها ضاحكة متهللة طروباً، ومن خير ما يمثل الحياة المرحة البهيجة (وعسانا أن نتحدث إلى قراء الرسالة الكرام عن أدب هذا الشاعر العبقري). إنما أعني هذا القبيل الذي أترع أدبه بالعويل والنياحة. وعلى رأس هذا الرعيل السيد حيدر الحلي، وهاشم الكعبي، وصالح الكواز، وصالح القزويني العلوي، وإبراهيم الطباطبائي، وجعفر الحلي، ورضا الهندي، وكاظم الأزري، وعبد المطلب الحلي، وعبد الحسين الأعسم، وهؤلاء شعراء مطبوعون لهم دواوين مفعمة بالأدب المشبع قوة وحيوية؛ وقد أقاموا على شواطئ الفرات في غضون عصر النهضة دولة للشعر يدعمها خصب القرائح ورصانة الأساليب ومتانة السبك ودقة