المعنى وسمو الخيال. وإنه لمن العقوق أن تتغافل عن دراسة أدبهم الأقلام العربية النزيهة بمصر، وإنك إذا تصفحت ما خلفوه من شعر محكم الأثر، قوي البيان، فخم التعابير، جزل الألفاظ، وجدته طافحاً بالتهريج والتنديد بالأمويين وما استباحوه من الدماء المحرمة في كربلاء، وما انتهكوه من حرمة ذرية الرسول، فترى المحرم قد صبغ أدبهم بصبغة خاصة لا تجد نظيرها في كثير من الآداب العالمية، وقد مزجوا بشعرهم الوجداني قصصاً ووقائع تاريخية فاستحدثوا لوناً يختلف عما ألفناه في أقسام الأدب العربي من قبل. وقد قرأت للأستاذ الزيات في كتابه (في أصول الأدب) كلمته الآتية، قال عند استعراضه العوامل المؤثرة في الأدب:(وتأثير الأديان في الأدب أمر ثابت بأدلة الطبع والسمع فإنها تخلق موضوعات جديدة لمصنفات جديدة، وتؤثر في الأخلاق والعواطف تأثيراً يتردد صداه في مناحي الأدب. . . فأن في كل دين من الأديان السماوية قسماً وجدانياً اجتهادياً يختلف أبناؤه في فهمه اختلافهم في الطبائع والمنازع والغاية، فأشعار الخوارج مثلاً تنضح بالدماء وتطفح بالحماسة لتعصبهم وتصلبهم وجعلهم غاية الإِسلام جهاد مخالفيهم في الرأي، وأشعار الشيعة تفيض بإجلال زوج البتول وصهر الرسول وتمجيد ذكرى بنيه وتمثيل آلامهم ورثاء من قتل من أعلامهم).
وما لوَّح إليه الأستاذ الزيات حقيقة راهنة تعضدها قواعد علم النفس وأصول التربية الحديثة وقواميس الاجتماع ويدعمها الوجدان بأنصع برهان؛ فهاهي ذي المجاميع المشحونة بالقصائد العصماء التي تتفجر حزناً لمقتل سيدنا الحسين عليه السلام، ومن أحدثها (لواعج الأشجان) تأليف العلامة السيد محسن العاملي، و (مثير الأحزان) وحسبك بأسمائها معرفاً بما انطوت عليه صدورها من مآسٍ.
هذا عدا الدواوين المسودة بنعي شهداء هذه الواقعة، وقد كان حامل لواء هذه السرايا هو الشريف الرضي (موضوع دراسة الدكتور زكي المبارك ضيف العراق الكريم فقد أخذ اليوم في تحليل أدبه الخالد فكانت أبحاثاً ممتعة أصبحت محور الحديث والمناقشة في الأوساط الأدبية هنا)، وقد كان الشريف الرضي مفجوعاً كليم الفؤاد فتجد شعره في رثاء الحسين طافحاً بالأنين والحنين، قال في قصيدة مقصورة: