أخذت مجالا لمناحة الشعراء.
وقوله من أخرى:
وخائضين غمار الموت طافحة ... أمواجها البيض بالهامات تلتطم
مشوا إلى الحرب مشي الضاريات لها ... فصارعوا الموت فيها والقنا أجم
ولا غضاضة يوم الطف إن قتلوا ... صبراً بهيجاء لم تثبت لها قدم
فالحرب تعلم إن ماتوا بها فلقد ... ماتت بها منهم الأسياف لا الهمم
أبكيهم لعوادي الخيل إن ركبت ... رؤوسها لم يكفكف عزمها اللجم
وللسيوف إذا الموت الزؤام غدا ... في حدها هو والأرواح يختصم
تنعى إليك دماء غاب ناصرها ... حتى أريقت ولم يرفع لكم علم
مسفوحة لم تجب عند استغاثتها ... إلا بأدمع ثكلى شفها الألم
حنت وبين يديها فتية شربت ... من نحرها نصب عينيها الظبا الخذم
موسدين على الرمضاء تنظرهم ... حرى القلوب على ورد الردى ازدحموا
سقياً لثاوين لن تبلل مضاجعهم ... إلا الدماء وإلا الأدمع السجم
أفناهم صبرهم تحت الظبا كرماً ... حتى مضوا ورداهم ملؤه كرم
وقد افتتح هذه القصيدة بحماسة تذكر بفخر المتنبي وتهديده ووعده ووعيده قال:
إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم ... فلا سعت بي في طرق العلى قدم
لا بد أن أتداوى بالقنا فلقد ... صبرت حتى فؤادي كله ألم
عندي من العزم سر لا أبوح به ... حتى تبوح به الهندية الخذم
لا أرضعت لي العلا ابنا صفو درتها ... إن هكذا ظل رمحي وهو منفطم
ولربما أكثرنا من الاستشهاد بالمقطوعات الرثائية التي هي من هذا الفرع الغض النضير بشعريته وإهابه الجهم الكالح بمؤداه الباكي بمغزاه ومعناه، ونظن أن في هذا النوع طرافة وجدّة عند قراء (الرسالة) الكرام.
وبعد فإنك واجد هذه الوقعة قد أثرت أثرها في الأدب وأنشأت جانباً خاصاً له مميزاته ومزاياه تربطه صلة قوية العرى محكمة الحلقات، وليس هذا القسم من الشعر ثمرة الأيام الأخيرة، كلا فإنه يمتد إلى عهد دعبل الخزاعي وتائيته التي مطلعها: