للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهنا أراد الفارسي، وهو من أتباع الرسول العربي (ص) أن يتكلم؛ إلا أن جدالاً عنيفاً شجر بين جميع الأجانب الموجودين المنتمين إلى مذاهب شتى، فقد كان بينهم مسيحيون من الحبشة، ولاميون من تيبت، واسماعيليون ومجوس؛ وكان جدالهم في الله وكيف يجب أن يعبد؛ وكل يؤكد أن الله الحقيقي لم يعرف ولم يعبد إلا في بلده.

لم يبق واحد في المقهى لم يشترك في هذا الجدال والصياح إلا صينياً من أتباع كونفوشيوس. كان جالساً يرشف الشاي ويستمع إلى المتكلمين دون أن ينبس ببنت شفة. فلما رآه التركي جالساً على هذه الحالة تقدم إليه محاولاً اجتذابه إلى رأيه بهذه الكلمات: (أنت لم تنطق أيها الصيني العزيز حتى الآن بكلمة، ولم يكدر صفوك كل هذا الصخب، ولكنك إن تكلمت ففي وسعك أن تؤيد ما أقول. لقد حكى لي بعض التجار الصينيين الذين يطلبون مني المعونة، أنكم معشر الصينيين تعتقدون على كثرة ما عندكم من الأديان والمذاهب أن الديانة الإسلامية هي أفضل الديانات وأنكم تعتنقونها عن طيبة خاطر. أيّد إذن كلماتي وأبن لنا رأيك في الله الحقيقي ونبيه).

فهتف القوم صائحين: (حسن، حسن) ثم التفتوا إلى الصيني وقالوا (أسمعنا رأيك في هذا الموضوع).

فاغمض الصيني عينيه وأخذ يفكر ثم فتحهما ثانية وأخرج يديه من كمي ردائه العريضين وطواهما على صدره وأخذ يتكلم بصوت هادئ رزين:

سادتي: يظهر لي أن الذي يحول دون اتفاق الناس في قضايا الدين يرجع خاصة إلى الزهو الفارغ. فإن تفضلتم فأصغيتم إلي فسأقص عليكم قصة توضح لكم ما غمض من هذه المشكلة:

تركت الصين قاصداً هذه البلاد على ظهر باخرة إنكليزية طافت حول العالم. وقد رست هذه بنا الباخرة على الساحل الشرقي من جزيرة صومترا لنفاد الماء. وكنا جماعة من مختلف الأجناس، وكان الوقت ظهراً، فنزلنا إلى البر وجلسنا تحت شجرة من شجر جوز الهند على شاطئ قريب من القرية. ولما جلسنا تقدم نحونا رجل أعمى علمنا بعدئذٍ انه فقد بصره من كثرة ما حدق في الشمس محاولاً سبر أسرارها ومعرفة كنهها. سعى كثيراً للوصول إلى مبتغاه وأطال التحديق في الشمس دون أن يدركه إعياء حتى احرق وهج

<<  <  ج:
ص:  >  >>