(أنتم تحاولون التضليل وما تضلون سوى أنفسكم. إن الشمس لا تدور حول الأرض، بل الأرض هي التي تدور حول الشمس مرة في كل سنة، وتدور حول نفسها مرة في كل أربع وعشرين ساعة. فيتضح من هذا أن لا فرق بين اليابان وجزر الفلبين وسومطرا وأفريقيا وأمريكا وأوربا وغيرها، فإن نصيب الجميع من أشعة الشمس واحد. فالشمس إذاً لا ترسل نورها على جبل واحد ولا جزيرة واحدة ولا بحر واحد حتى ولا على أرض واحدة، وإنما تستضيء بنورها جميع الكواكب أيضاً. فلو نظرتم في السموات عوضاً عن نظركم إلى الأرض لأدركتم كل هذا ولما زعمتم بعد ذلك بأن الشمس تضيء لكم أو لمدينتكم فقط).
هكذا تكلم الربّان الحكيم، وإذا تكلم فإنما يتكلم عن خبرة واسعة من كثرة ما ساح في البحار ومن طول ما حدّق في السموات.
هذا الذي قيل في الشمس يقال أيضاً في الدين. إن السبب الذي يحول دون اتفاق الناس في مسألة الدين إنما هو التفاخر وما يسببه من شحناء. كل رجل يريد إلهاً له، أو على الأقل إلهاً خاصاً لأمته، وكل أمة تريد أن تحصر في معبدها الله الذي لا يسعه العالم.
وما هذه المعابد بالنسبة إلى العالم الذي خلقه الله ليجعل فيه الناس أمة واحدة وديانة واحدة ألا وهي الإنسانية؟
لقد شيدت المعابد الإنسانية على غرار هذا المعبد الذي شيده الله للناس، كل معبد له أحواضه وأقبيته وصوره ونحوته ونقوشه وكتبه ومذابحه ومحاريبه وكهنته. ولكن أيوجد معبد له حوض كحوض الأقيانوس أو قبو كقبو السموات؟ وأين تلك المصابيح الباهتة التي تضيء المعابد الإنسانية من الشمس والقمر والنجوم؟ أو تلك الصور الجامدة من رجال أحياء تغمر قلوبهم بالحب؟
وهل يوجد وصف في أي سفر من الأسفار عن كمال الله وحسنه أروع وأبسط من هذه النعم التي أسبغها الله على عباده لخيرهم وسعادتهم؟ وهل من تضحيات أسمى وأرفع من هذه التي يقدمها الرجال والنساء على مذبح الحب؟ ثم ما هذه المذابح المنصوبة في الكنائس إذ قيست بقلب رجل كريم يطفح حباً وحناناً وقد رضى الله به مذبحاً لتقديم القرابين له.
كلما سما الإنسان في فهم الله ازداد به علماً، وكلما ازداد به علماً اقترب منه، وذلك باحتذائه إياه في إحسانه وعطفه وحبه.