للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهنا قاطعه هندي كان من جماعتنا قائلاً: لشدَّ ما يدهشني أن أسمع هذا الهراء من رجل عاقل مثلك! كيف يجوز لكتلة نار أن تهبط في الماء ولا تنطفئ؟ الشمس ليست كتلة نار أبداً بل هي إله يدعى (ديفا) وهو ما ينفك يركب عجلة يدور بها حول جبل فيدو الذهبي فتهجم عليه في بعض الأحيان الحيتان المشئومتان (راكو وكيتو) وتبتلعانه؛ وعند ذلك تصبح الأرض في ظلام. إلا أن كهنتنا لا ينفكون يصلون ويضرعون لذلك الإله حتى يطلق سراحه. لا يظن أن الشمس تضيء بلدته وحدها إلا من كان غبياً مثلك لم يبرح جزيرته قط).

فقاطعه ربان سفينة مصرية وقال له: (أنت أيضاً مخطئ، ليست الشمس إلهاً ولا هي تدور حول الهند ولا حول جبلها الذهبي فحسب) لقد طوفت كثيراً في البحر الأسود وعلى طول سواحل جزيرة العرب، ورأيت أيضاً مدغشقر وجزائر الفلبين، وفي كل هذه الأماكن تبزغ فيها الشمس، مما يدل على أن الشمس لا تضيء الهند وحدها ولكن تضيء الأرض كلها؛ ولا هي تدور حول جبل واحد وإنما تشرق في الشرق الأقصى وراء جزر اليابان، ثم تغرب بعيداً. . . بعيداً في الغرب وراء الجزيرة البريطانية. ولهذا السبب يسمي اليابانيون بلدتهم (نيبون) ومعناه (مولد الشمس). أعرف هذا جيداً لأني رأيت كثيراً، وسمعت اكثر من جدي الذي ركب البحار كلها).

وكان يريد المصري أن يستمر في حديثه لو لم يقاطعه بحار إنكليزي كان في سفينتنا قائلاً:

(لا يعرف أحد عن حركات الشمس قدر ما يعرفه الناس في إنكلترا. ليس للشمس مشرق ولا مغرب، وإنما هي تدور دائماً حول الأرض. إن هذا الذي أقوله لا شك فيه. ألم ننته الآن من طوافنا حول العالم ومع ذلك لم نصطدم بالشمس؟ أينما حللنا وجدنا الشمس تطلع صباحاً وتغيب مساء كشأنها هنا!.

وأخذ الإنكليزي عصاً وراح يرسم دوائر على الرمل ليرينا حركات الشمس وكيف تدور حول الأرض، إلا أنه لم يستطع شرحها بوضوح فقال مشيراً إلى ربان السفينة: اترك شرحها إلى هذا الرجل فهو أعلم بذلك مني)

وكان ربان الفينة رجلا ذكياً يصغي إلى الحديث بسكون دون أن ينبس بكلمة، فلما طلب منه الكلام اتجهت الأنظار إليه وبدأ يقول:

<<  <  ج:
ص:  >  >>