بالحقارة ويخفيه بالسفاهة حرت وصرت لا تدري أياخذ الخادم من أخلاق مخدومه أم يأخذ المخدوم من أخلاق خادمه. وكثيراً ما يتخذ كل منهما الآخر نصيراً في خصوماته التي يخلقها من اجل شعوره بالحقارة. والفلاح الذي يغري المجرمين والأشرار بمن لا يحييه وهو جالس على المصطبة ولا يتزلف إليه مثل الموظف الصغير المنزلة أو كبيرها الذي يغري الأشرار ممن لا يتزلف إليه
وهذه الطوائف كلها تجني على الصغار بتأثير قدوتها فيهم. وكثيراً ما يكون سبب إساءة التلميذ أدبه رغبته في حب الظهور الناشئة من هذا الداء. وحب الظهور صفة عامة في النفوس كما قلنا، ولكنها في البيئات المريضة بداء الشعور بالحقارة تتخذ شكلاً وضيعاً خاصاً وهي تكون مصحوبة بالصفات النفسية الوضيعة التي ذكرناها. ومما يدل على أن داء الشعور بالحقارة ينشأ بسبب عصور الغلبة التي تشعر بالذلة والمسكنة أن صفاته تكثر وتشيع بين العبيد وأبناء الأرقاء، أو من كان أجدادهم أرقاء في العصور الغابرة وبين أبناء الشعوب التي ظلت مغلوبة على أمرها عصوراً طويلة خلقت التواء في الخلق ولؤماً. ولعل هذا الأمر يفسر ما نقرأ في محاكمات قضايا الروسيا من أعمال أبالسة أدنياء كانوا أرقاء أو مغلوبين على أمرهم عصوراً طويلة، فلما نالوا الحرية أظهرت ما كمن في نفوسهم، وهذا سواء أكانت هذه الأعمال قد فعلها من نسبت إليهم أم انهم حملوا على الاعتراف بها كدباً بوسائل جهنمية، ولا ينفي هذا الاستنتاج أن السياسة الدولية وعمالها السريين قد يستبيحون كل جريمة ضرورية وغير ضرورية في تنفيذ أغراض السياسة السرية وملحقات تلك الأغراض.
ومن التلاميذ الصغار من يصاحب أهل الفساد أو المصابين بداء الشعور بالحقارة، فيريد أن يخفي التلميذ شعوره بالنقص أو الفساد الذي لحقه بإساءة أدبه. وكثيراً ما يحاكي الصغار هذه الطوائف حتى من كان منها من الرعاع فيحاكونهم في مشيتهم وإشاراتهم وأقوالهم، ويحسبون أن تلك المحاكاة تكسبهم رجولة وبطولة من غير أن يشعروا أن الرعاع أو منهم اكبر منهم منزلة واعظم علماً من المصابين بداء الشعور بالحقارة يصدرون ويردون في أقوالهم وأعمالهم إشاراتهم وحركاتهم وهم مسيرون لا مخيرون، وانهم في كل هذه الأحوال طوع شعورهم بالحقارة وطوع الرغبة في ستر ذلك الشعور فكأنهم لعب خيال الظل يحركها