للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذا المعتقد وأن يحمل الناس على اعتقاده، ويرى أن اكبر جريمة في العالم هي أن يجيد إنسان أو أن يظن أن إنساناً أجاد (وان لم يكن قد أجاد) في عمل أو قول أو جهد أو رأي أو صنع، سواء أكانت الأعمال والأقوال مما يرجى فيه الخير للجميع أو مما فيه خير خاص، وسواء أكان فيها نفع للمريض بداء الشعور بالحقارة أو لم يكن فيها نفع، وهذا الحقد الذي يشعر به هؤلاء قد يخفى نفسه ويظهر بمظهر العبث؛ وقد لا يخفى نفسه. وقد يدعي الغيرة على الخير والفضل، وقد لا يدعي، وهو دائماً كالحيوان في الغابة متحفز للوثوب والظهور إذا أتيحت الفرص، فإذا لم تتح الفرص لم يثب. وكثيراً ما تراه في اوجه أصحابه عبوساً خاصاً ينم عن جنون الحقد، وفي مثل هذه البيئة لا يعد المريض بداء الشعور بالحقارة المشقة مشقة إذا كانت من أجل إحباط عمل زميل أو غير زميل، كأنما تلك البيئة رقعة الشطرنج بين يدي لاعبين ماهرين لا يبقى كل منهما ولا يذر.

ولعل السبب في أن الإنسان في تلك البيئة التي اعتورها ذل طويل ثم حرية لا هم له إلا منع غيره من الظهور (وكلما كان الظهور بالإجادة في صنع أو قول كان الخوف منه أعظم) أقول لعل السبب هو الرجوع بالسريرة وبالنفس إلى عهود ذلك الذل الطويل وطغيان الذين ظهروا في تلك العهود طغياناً سبب ذلك الذل الطويل وسبب داء الشعور بالحقارة؛ وربما ظهر الظاهرون في تلك العهود بقدرة أو إجادة فأصبح المرضى بداء الشعور بالحقارة، حتى بعد تلك العهود القديمة البائدة، يكرهون كل ظهور بقدرة أو إجادة لأن فيه مذلة لأنفسهم

وهؤلاء الناس قد يتعاونون في إظهار من برز بقدرة أو إجادة ولكنهم قلما يفعلون ذلك ألا إذا كانوا يرجون في إظهاره إظهاراً لأنفسهم وإبرازاً لها واكتساباً لأنفسهم شيئاً من الشهرة بالإجادة التي لصاحبهم، أو إذا كانوا يرجون منه أن يعاونهم بقدرته على الظهور وإشباع نهمتهم منه

ويبدو داء الشعور بالحقارة أيضاً بين طائفة الخدم والحشم والرعاع فيحسبون انهم يخفون ما يشعرون به من ضعة منزلتهم الاجتماعية بمحاكاة من هم ارفع منهم منزلة في اللباس أو في فتل الشارب أو في التنحنح أو في الفكاهة أو في التعالي والتعاظم على أصحاب الحاجات وكل من يريد مقابلة مخدوميهم. وإذا كان المخدوم أيضاً مصاباً بداء الشعور

<<  <  ج:
ص:  >  >>