للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

البشرية عامة بل زادت واشتدت حتى صارت داء، وإنه لا يرجى رقي ولا تصلح تربية ولا يصلح تعليم ولا ترجى ثمراته كلها إلا إذا عولج داء الشعور بالحقارة وأعراضه

وكانت الحرية الكاشفة عن هذه الصفات الكامنة أشبه الأشياء في فعلها بالخمر التي تظهر الصفات الكامنة؛ فإذا كانت في طبع المرء شراسة أظهرتها الخمر إذا سكر، وإذا كان في طبعه إسراف زادته الخمر إسرافاً حتى يكاد السكران يخلع كل ثيابه ويتصدق بها على الناس؛ وإذا كان في طبعه ميل إلى الإجرام دفعته الخمر إلى ارتكاب الكبائر

وليس بين القراء من لم يشاهد مريضاً بداء الشعور بالحقارة، ولكن ذيوع هذا الداء في بيئة يجعله مألوفاً ألفة تفقده الغرابة، فلا يشعر به الإنسان في تلك البيئة إلا إذا بحث عنه وتعمد الفطنة له

وكلما كان المصاب بداء الشعور بالحقارة مفلساً من العلم أو الذكاء كانت لجاجته في جداله وحديثه اعظم، وكان غضبه إذا خولف أشد، وكان ادعاؤه العلم بكل شيء أوفى وأتم ادعاء، وكان حقده على من يخالف رأيه ابعد أثراً وأطول عمرا واعمق مقرا من نفسه، حتى ليكاد يأتي ربه يوم القيامة وأوضح أثر في نفسه حقده على من خالفه في رأيه في الحياة الدنيا. والويل لك إذا عاشرت من اشتد به داء الشعور بالحقارة، فإنك إذا عاونته حقد عليك من اجل فضلك عليه الذي يهيج شعوره بدائه، وإذا لم تعاونه حقد عليك أيضاً من اجل حاجته إليك التي تهيج شعوره بدائه. وكلما كان المصاب بداء الشعور بالحقارة مفلساً من المال ادعى الثروة، وقد يبلغ به داء الشعور بالحقارة منزلة يضن فيها بما معه من المال على عياله كي يظهر في المجالس والنوادي وبين الغرباء، بمظاهر الأريحية والسخاء والثروة. وهو يتلطف، وقد يتذلل لمن يريد أن يقنعه أن صفات الأريحية والسخاء من صفاته وإن لم يكن من طبعه إلا الشراسة والحقد. وهو يحقد على كل من لا يمكنه من الظهور بمظهر التعاظم والأريحية ومن لا يهيئ له السبيل إلى ذلك، وعلى من لا يضحي بكل شيء في سبيل تهيئة وسائل الظهور له، وعبثاً تحاول أن تظفر لدى من اشتد به هذا الداء بوفاء أو ود، وعبثاً تحاول أن تفهمه حقيقة الأمر، فإنه يخادع نفسه حتى يعتقد أنك تحسده على ماله من مظاهر العظمة أو الأريحية أو الذكاء النادر أو على منزلته في قلوب الناس. وفي البيئة التي يذيع فيها داء الشعور بالحقارة يعتقد كل إنسان أنه عظيم الشأن، أو يحاول أن يعتقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>