يحتاج إلى جرأة وتنظيم، وهذان الأمران لا يزالان حتى الآن بعيدين المرأة.
ومما يؤيد هذا أيضاً أن النساء اللواتي اشتهرن بالفلسفة (كهيباتيا) وغيرها لم يبدعن مذاهب جديدة بل اتبعن المذاهب القديمة وحللنها وهذبنها. فالمرأة اقرب إلى الاتباع منها إلى الإبداع. وهي لا تقبل الحقائق المؤقتة، بل تريد أن يكون كل شيء نهائيا فتسبغ على الحقائق العلمية حلة دينية وتقلب النسبي إلى مطلق. إن تلاميذ الفلسفة يفضلون الكليات الفلسفية على الجزئيات، فيضخمون الفكر البسيطة ويعممونها حتى تشمل الكون كله. أما تلميذات الفلسفة فيملن إلى الجزئيات ويرغبن في التحليل دون التركيب: فعقل المرأة عقل تحليلي، أما عقل الرجل فعقل تركيبي. نعم إن المرأة واسعة الخيال ومن صفات الخيال الواسع أن ينشئ ويبدع، إلا أن خيال المرأة يصلح لتبديل صور الأشياء وتغيير حقائقها لا لإنتاج الفرضيات المنظمة وإصلاح الواقع بها.
تلك هي أنواع النساء من الوجهة النفسية. فالمرأة الحساسة تصلح للشعر والموسيقى والتصوير والتمثيل، والمرأة الحساسة الذكية تصلح للحياة العملية من تجارة وإدارة، والمرأة المفكرة تصلح للعلم والفلسفة. وقد تمتزج هذه الصفات فتجتمع في امرأة واحدة فيكون منها نوع معتدل صالح للقيام بجميع الأعمال.
وقد أخذت صفات المرأة تتبدل في الهيئة الاجتماعية الحديثة لأنها قد شاركت الرجل في جميع الأعمال من تجارة وصناعة وإدارة واقتصاد وسياسة، فساقها التطور إلى استبدال كثير من صفاتها القديمة بصفات جديدة، فاستبدلت بالحياء الجرأة وبالخشية الاقدام، وبالسكون الحركة، وبالسذاجة الحيلة، وبالعبودية الحرية، وبالعاطفة العقل. واعتقد أن هذه الصفات الجديدة لا تفسد جمال المرأة بل تزيد سحرها قوة، لان العلم لا يجفف القلب بل يبدد ظلمات الغريزة، وينير طرائق العقل، ويكشف عن جمال الأشياء ويولد في المرأة صفات نفسية مشابهة لصفات الرجل في تفكيره وانفعاله وفعله؛ ويقلب حياة المرأة الاتباعية إلى حياة مفعمة بالحرية والإبداع. وما ادري لعل التطور يكشف لنا في المستقبل عن نوع جديد اكمل من هذه الأنواع الأربعة تتحد فيه العاطفة بالفكر والإرادة بالعقل. إن الأحلام ليست اقل تأثيراً في التطور من اشتباك الأسباب الحقيقية واختلافها.