الغرض الذي ينبغي أن نلتزمه في تعلم اللغة العربية والغرض الذي ينبغي أن نلتزمه في تعلم اللغة الإنجليزية فإذا كان بين اللغة الأصيلة واللغة الدخيلة مثل تلك الصلات الفكرية، فإن بين الاثنتين فروقاً تحدد السبل التي نتخذها في تعليم كل منهما. فللغة كما قدمنا آثار تختلف على حياة الإنسان لها أثر عقلي عميق يكاد يحكم نمو إدراكه وتطور تفكيره. ولها بعد ذلك أثر حسي يتصل اتصالاً وثيقاً بفكرة الجمال التي يكسبها من الشعر والأدب. ثم إن لها أثراً عملياً أو نفعياً يغير منه في حياته كأي مهارة أخرى. وهذه الأنواع الثلاثة من الآثار هي التي تختلف على متعلم اللغة إذا أحسنت تنشئته على الأصول النفسية التي جهد في استنتاجها الذين أوتوا العلم من المعلمين والمربين.
ونحن في حديثنا عن اللغات يجب أن نفرق بين هذه الآثار وارتباطها باللغة العربية أو باللغة الأجنبية. أما اللغة العربية فإنه يتمثل فيها كل الآثار التي ذكرنا. لها أثر عقلي يصاحب الإنسان عند النشأة الأولى ويلازمه في كل طور من أطوار حياته، ولها كذلك اثر حسي يمحضه الشعور بالجمال ويفيض عليه كثيراً من ألوان السرور، ولها اثر ثالث عملي لأنهما وسيلة الكتابة والحديث بين الأفراد والجماعات. أما أثر اللغة الأجنبية عندنا فهو نفعي أو قل عملي. حقاً قد يكون لها أثر عقلي إذ تتدخل في تربية الإنسان ونمائه، وقد يكون لها أثر حسي إذا أحسن تعلمها. ولكن وجهها النفعي أوضح وجوهها، وإنما يتعلم المرء اللغة الأجنبية لتكون صلة بينه وبين فروع المعرفة التي اتسعت لها، وحسبه أن يحسن قراءتها. ولعلها تصبح مادة زاخرة توحي إليه العواطف، وربما أصبح بينها وبين تفكيره صلات ولكنها على الحالين لن تدرك ما تبلغه لغته الأولى التي درج عليها والتي كانت أقرب إلى عقله وقلبه ووجدانه.
فاللغة الأصيلة واللغة الدخيلة تختلفان في تقديرنا اختلافاً شاسعاً. الأولى صاحبة الأثر العقلي الذي يدفع بتفكير المتعلم إلى نواحي التقدم، والثانية تستمد وجودها كأداة للتفكير من اللغة الأولى. واللغة الأصيلة ذخيرة تتجلى فيها آيات الجمال بما في تراثها من أدب وحكمة، وتنبلج فيها بدائع الشعر بما تتحمله من وحي والهام. أما الثانية فلن تبلغ هذا الأثر إلا إذا أحسنها المتعلم كل الإحسان؛ وليس يبلغ ذلك إلا الخاصة الذين لا يقعون للمعلم في حسبان. وهي عند كافة المتعلمين بعيدة عن نطاق الجمال والإلهام غير قريبة من مواطن