التعليم مجدياً وهو إلزامي بكل ما في الإلزام من معنى؟ إن التعليم الحق هو ما أتى من (الداخل) فحسب، وكل تعليم لم يأت من هذه الناحية لا يكون أكثر من طلاء خارجي كله تشدق بالألفاظ وغرور وكبرياء لا يجديان فتيلا. ولذلك ما يلبث أن يسقط غير تارك وراءه إلا المكر والإجرام إذا لم يحل محله غرس خلقي متين، وإذاً فكان الأفضل أن يترك القروي في مثل هذه الحال ليتعلم من الرياح والنجوم والذوق العام، وأن يبقى أمياً بريئاً ساذجاً لا يعرف كيف يعلو على أهله ويحتقر الفأس والأرض، ولا كيف ينزح إلى المدينة ليعيش عيشة أرقى وأنظف!!
لذلك كله لم يستسغ الآباء بعد هذا التعليم ولم يشعروا شعوراً كافياً بالحاجة القصوى إليه، ويساعدهم على ذلك ضعف الدعاية اللازمة، وعدم جاذبية المدرسة، واشتراك الناظر والمدرسين في صب هذا (الإلزام) على رؤوسهم ورؤوس أولادهم
٣ - العلاج
وينحصر العلاج الناجع الذي يراه الدكتور (جاكسون) لتدارك هذا الموقف في ناحيتين. الأولى تغيير المنهج بحيث يلائم حاجات البيئة ولا يبدو كأنه مفروض من سلطة متعسفة؛ ويتأتى ذلك باشتماله على دراسة عملية للتربة أو الدورة الزراعية، وأنواع الأسمدة، وحياة الحشرات والنباتات والزهور، والقيم الغذائية للمواد المختلفة، وأصول صحة المنزل في الدائرة القروية الممكنة؛ كل ذلك إلى جانب القراءة والكتابة والمعلومات الأخرى التي تقرب بينه وبين الطبقات الأرقى وتحببه في العمل والعاملين، وتسد الهوة بينه وبين أبناء الأثرياء المنعمين!
أما الناحية الثانية: فتتلخص في دعاية واسعة النطاق غايتها تحبيب الشعب في ذلك التعليم بكل الوسائل حتى لا يكون هناك إلزام بالمعنى المكروه. ويحسن أن تكون هذه الدعاية عن طريق زعماء الشعب أنفسهم ونوابه وكل من يجلهم ويقدر كلمتهم، آناً بالحضور الشخصي وآناً بالإذاعة، كما يحسن أن يشترك في هذه الدعاية أغنياء القرى وذوو النفوذ بها، وأن تصطحب الدعوة فكرة دينية أو وطنية، وأن يقضي فيها نهائياً على القول القائل بأن معنى التعليم هو إلقاء الفأس وإمساك القلم؛ وبهذا وبغيره يصبح التعليم ضرورة لدى الفلاح، فيسعى إليه بنفسه، ويعتبره فريضة دينية أو وطنية!