ولكن زوجه على الرغم من ذلك تحبه وتكبره، وتنتظر ما يخبئه له الغد من جاه وسلطان كأنها تعلم الغيب أو كأنها ترى ما لا يراه الناس. وكتب لنكولن إلى صديقه سبيد ينبئه أنه رضي النفس قرير العين، ويعتذر له من عدم زيارته إياه بفقره وشواغله، ثم يبشره أن قد صار لهما غلام. . .
ذلك ما كان من أمر لنكولن فيما هو متصل بحياته الشخصية؛ بيد أن زواجه من تلك المرأة كان حادثاً عظيم الأهمية في حياته؛ فلقد مر بك من صفاتها أنها امرأة ذات طمع وطموح. وأنها كانت ترى بما يشبه اللقانة الطريق المؤدية إلى عليا المراتب، وما كانت تقنع بما هو دون مرتبة الرياسة! لذلك كانت خير معين حين تقدمت خطواته في ميدان السياسة. وكثيراً ما كانت ترده إلى الطريق السوي إن هو أوشك أن يتنكبها. ويتجلى ذلك في عدة مواقف سيأتي حديثها بعد حين. . . نرجع بالحديث بعد ذلك إلى حياته العامة في السياسة والمحاماة. أما في السياسة فقد ظل ينتخب نائباً عن سنجمون، كلما تجدد الانتخاب، حتى لقد ظفر بثقة الناس أربع مرات متوالية. وأما في المحاماة فقد تركه شريكه ستيوارت إلى وشنطن حيث اتخذ مقعده في المجلس العام للولايات؛ فعمل مع شريك آخر قبل زواجه من ماري بثلاث سنوات؛ وكان هذا الشريك يدعى لوجان، وكان لوجان من أكبر المحامين شهرة في المدينة، وكان له من صفات النظام والدقة والإلمام بأوضاع المهنة ومطالبها ما كان يعوز صاحبه لنكولن. وكانت له في العمل الرياسة. ورضى لنكولن بمكانه منه ولم يجد في ذلك غضاضة إذ لم يكن منه بد؛ وأخذ يتعلم عنه ويكتسب بمصاحبته المرانة والخبرة؛ وهو قانع بنصيبه من الأجر، وأن كان يرى من زميله أنه لا يعدل في ذلك وأن كان لا يميل كل الميل. ولم يكن ثمة ما يحول دون استمرارهما معاً لولا أن فرقت بينهما ريح السياسة إذ كان كل منهما ينتمي إلى حزب يخالف الحزب الآخر. . .
ولما قضي الأمر بينه وبين لوجان، دخل له زميلاً آخر. وكان هذا الزميل شاباً دونه في العمر بعشرة أعوام اسمه هرندن. وكان هرندن هذا من أشد الناس إعجاباً بأبراهام ومن أعظمهم محبة له وإكباراً، فتوثقت عرى الصداقة. وكانت لإبراهام الرياسة هذه المرة، وعظمت ثقة كل من الرجلين بصاحبه. وكان أصغرهما موفور الحظ من النشاط والذكاء،