للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كما كان كزميله في مذهبه السياسي ومن الداعين إلى القضاء على العبيد. . .

وعرف ابراهام في المحاماة بما لم يعرف به أحد قبله في المدينة؛ فهو بسيط في كل شئ، يجعل الأمر أمر ذمة وإخلاص قبل أن يكون أمر قانون ومغالبة؛ وينظر في تنازع الناس نظرات يوحي بها قلبه قبل أن يرسمها عقله. يرد كل شئ إلى طبيعته إذ كان يقيس الأمور بما كان يدور في نفسه، ولا يتردد أن يفصل بين المتنازعين بما لو فكر فيه غيره لعده من ضروب الخيال والوهن. . . ولكن لنكولن كان له من إنسانيته خير سند، ومن حسن طويته خيرها

جاءه ذات مرة رجل يطلب إليه أن يدافع عنه ليرد له مبلغاً من المال عند خصم له؛ فلما سمع لنكولن قضيته قال: (أني أستطيع أن اربح قضيتك وأعيد إليك تلك الدولارات الستمائة، ولكني أن فعلت ذلك جلبت الشقاء إلى أسرة أمينة، ولن أستطيع أن أتبين سبيلي إلى ذلك. لذلك أحس فيّ الميل إلى أن أنصرف عن قضيتك وأجرك. على أني أبثك نصيحة لا أسألك عليها أجراً: اذهب إلى بيتك ففكر في طريقة نزيهة تكسب بها ستمائة دولار). . . بذلك وبأمثاله اتخذ ايب الأمين سبيله إلى قلوب الناس، فما منهم إلا مكبره ومحبه. وكان الناس يجيئونه ليحكموه فيما شجر بينهم، وكلا الخصمين يعلن أنه راض بما يقول سلفاً؛ وسرعان ما كان يحسم النزاع بينهم كأنهم منه حيال قاض لا محام! وهو لا يسألهم أجراً على ذلك، وحسبه من الأجر منزلته في قلوبهم. . .

وكان يرفع الكلفة بينه وبين الناس كأنه أحدهم مهما كانت درجتهم؛ وكذلك كان يفعل مع صاحبه هريدن، فهو لا يستحي أن يسأله ويستفهمه أن أشكل عليه أمر أو التوت عليه فكرة كأنه تابعه! فإذا ساق إليه الله رزقاً عده وقسمه نصفين ونادى صاحبه: (هذا نصفك)؛ كل ذلك دون أن يكتب شيئاً أو يطلب من صاحبه كتابة، فما كانت بهما حاجة إلى ذلك وكلاهما يبذل من الإخلاص والود بقدر ما يبذل صديقه

وكان صديقه يراه الناس في المحكمة يدس أوراقه في جيبه حتى لينبعج وينتفخ، ويرونه يدسها في قبعته كأنه يجعل منها قبعة وحقيبة. كان لا يعني في شيء بمظهر وإن حرص كل الحرص في كل شيء على الجوهر. . . وكان في عمله كما كان في منزله، يأبى إلا أن يرسل النفس على سجيتها؛ وسيظل كذلك حتى تتحقق له كبرى الرياسات. . ولله ما كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>