الفائدة الخاصة، ونحمل كل أمر على محمل الهوى الفرد، ونغلب إرادتنا على إرادة الأمة في الحق المشاع، حتى أقتنع المستريب بأننا تعلمنا الكلام ولم نتعلم العمل، وحذقنا فنون الدعاية ولم نحذق أصول الحكم، وحفظنا مصطلحات الدستور ونسينا مبادئ الشورى.
كان ذلك محمولاً والجهل غاش على العيون رائن على الأفئدة؛ أما الآن فقد تنبه الغفلان وتذكر الناسي. تنبه الغفلان إلى أن من استطاع أن يرفع المظلوم يسهل عليه أن يخفض الظالم؛ وتذكر الناسي أن له دستوراً يجعل مصدر السلطات في فم المحكوم لا في يد الحاكم. فمن ذا الذي يوسوس إليه شيطانه أن يرفع في وجه الأسود وأشبال الأسود عصا القطيع؟ ومن ذا الذي يسول له طغيانه أن يرتفع على كواهل الشعب ليقول: أنا سيد الجميع!
لقد كان لبعضكم يا زعماء الساعة أخطاء على الأمة في بعض الأمور ملكت عليها الصبر ولم تملك لها المغفرة. وقد أتاح لكم القدر العجيب هذه الفرصة لتصححوا بصواب اليوم خطأ الأمس، وتبددوا بيقين الحاضر ظنون المستقبل. فهل تدعونها تمر كما يمر أريج الطيب بالرجل الأخشم؟ إن بعضكم بلغ ساحل الحياة، وبعضكم جاوز حد الثروة، وكلكم تفرع ذروة الجاه، فماذا يخزلكم عن ابتناء المجد المؤثل وابتغاء الذكر الخالد؟
نريد أن يكون الزعيم لجنسه لا لنفسه، ولشعبه دون حزبه، ولغده قبل يومه، حتى يتذوق هذا الشعب المجهود لذة الأخوة في ظل الوطن، وعزة الحرية في كنف الدستور، وجمال المساواة في حمى الحكم الصالح.
نريد أن تلغوا سياسة الخطب، وتقصروا ألسنة الوعود، وتخفتوا ضجيج المظاهر، وتكفوا عن كرامة الناس صلف المنصب وزهو السلطان وبطر الجاه؛ فإن المصري أكره الناس للزعيم المغرور والوزير المتغطرس والنائب الأثر.
نريد أن تفتحوا لمصر عهداً جديداً من الهدوء والاستقرار، تدخلونه في ثياب الإحرام صدوركم نقية من أحقاد الحزبية، ونفوسكم بريئة من شهوات العصبية، وميولكم نزيهة عن خسيس المطامع، فتصرفون القوى إلى الإنتاج، وتوجهون الجهود إلى الهدف، وترصدون ملكات الأمة وكفاياتها لطرد الجهل منها، ودفع الفقر عنها، ومعالجة المرض فيها، لتعيش كما تعيش الأمم الحية صحيحة الجسم سليمة الروح متماسكة الوحدة.