العظمى، وكذلك نشأت افراد المملكة النباتية بطريقة مشابهة لنشوء كرنب الحدائق والقرنبيط والخضراوات من الكرنب الوحشي النابت في السواحل البحرية. وهكذا تتضمن فكرة التطور العضوي العامة نوعا من البرهان يستند على المقابلة والمشابهة. إذن فتلك الحالات القليلة التي يعلمها الإنسان عن نشوء حيواناته ونباتاته الداجنة تنير له طرائق العلم بحدوث النشوءات العظيمة خلال العصور السحيقة في القدم.
لذلك لا نرى مسوغا لما يطلب من الأدلة على التطور ما دام يمكن اتخاذ كل حقيقة من حقائق علوم التشريح والفسلجة والمتحجرات والأجنة دليلاً قويا على التطور إذا ألممنا بشيء كاف منها. وكل ما في الأمر أنه يجب أن نفتش عن حجة تمهد لنا سبيل الاهتداء إلى كيفية استعمال حقيقة التطور لفهم جميع المغلقات والألغاز التي نجابهها في درس البيولوجيا.
أثر الإنسان في التطور
كان لدارون ولع شديد بدرس مساعي الإنسان لتدجين الحيوانات والنباتات وتربيتها على السواء، وغير خاف علينا ما وصلت اليه جهود الإنسان في الحصول على ضروب متعددة من الحمام الداجن وذلك مهد لدارون أن يضع فكرته على النمط الأتي: لما كان في وسع الإنسان أن ينشئ في زمن قصير أنسالاً عديدة قويمة التهذيب فلماذا لا يعقل أن الطبيعة قامت بذلك العمل نفسه في زمن طويل جداً؟ وكيف يقوم الإنسان بتلك العملية؟ لاشك أنه ينتقي الأنواع التي تروقه أو تلائم حاجاته ويدعها تتزاوج مع بعضها على قدر الإمكان ويستأصل من النسل الجديد الأفراد التي لا يرغب فيها ومن ثم يقوم بتهذيب وتربية الأفراد التي يريد الاحتفاظ بها، فعمليته تقوم على أمرين مهمين: الاستئصال والتوليد. فيستأصل الرديء ويولد الجيد. وبسعيه المتواصل في (عملية الانتخاب الصناعي) هذه وصل الإنسان إلى نتائج مدهشة، فكان له ضروب عديدة من الخيول والمواشي والكلاب والحمام والدجاج الخ، وضروب كثيرة من النباتات كالحنطة واللفت والبطاطا والورد والبانسيه الخ. . . ومن السهل أن تذهب إلى المعارض الزراعية لتحصل على أمثلة واضحة من التطور لا تزال تعمل بقوة.
لاشك أن هناك أمثلة عديدة أكثر تعقيداً من نشوء الحمام لأنه يصعب علينا عندئذ تحديد